ومن ذلك ردُّ القياسِ لِما ثبتَ من تَخْصيصِ أصْلِهِ بحكْمٍ يختصُّهُ، وانقطاعهِ عن الفَرْع، مِثْلَ قياسِ الحنفيُّ عَقْدَ النكاح بلَفْظِ الهِبَةِ على نكاحِ النبيِّ صلى الله عليه وسلم (١)، فيقول: نكاحٌ عُقِدَ بلَفْظ الهبةِ فكان صحيحاً، كنكاحِ النبيِّ - صلى الله عليه وسلم -.
فيقول الحنبليُّ أو الشافعيُّ: إن النبي - صلى الله عليه وسلم - كان مخصوصاً بذلك دون أمَتهِ، فينقطع القياسُ عن أصله كما انقطع في باب عدَدِ المنكوحات. فيقول المستدلُّ: إنً حكمَ النبي - صلى الله عليه وسلم - وأمتِهِ واحَدٌ في حُكم الأصلِ إلا أنْ تَرِدَ دلالةُ التَخْصيصِ، ولا يجوزُ أن يَرِدَ هذا السؤالُ ممن يَحْتَجُّ بافعالِ النبيِّ - صلى الله عليه وسلم - ويجعلها كأقوالِهِ، وهل يحتجُّ بأفعالهِ إلا مَنْ يجعلُهُ مشارِكاً في التكليفِ وسائرِ أحكام الشَّرع، ولو كان مخصوصاً في أصْلِ التكليفِ لانقَطَعْنا عن الاقتداَءِ به، إَلا أن تقومَ دلالةُ اتباعهِ والاقتداءِ به في بَعْضِ أحوالهِ، فدعواها هنا تحتاجُ إلى دلالةٍ، وإلا فَنَحْنُ باقون على حُكْم الأصْلِ وهو وجوبُ المساواةِ في جميعِ أحكامه. فيحتاج المُعترِضُ أن يتكلَّف الدلالةَ على تَخْصِيصه بذلك بالآية، وهو قولُه سبحانه:{وَامْرَأَةً مُؤْمِنَةً إِنْ وَهَبَتْ نَفْسَهَا} إلى قوله {خَالِصَةً لَكَ}[الأحزاب: ٥٠]، فيقع الترجيحُ في تردُّدِ الهاء إلى الهِبَةِ أو إلى المرأةِ الموهوية وتخصيصه بها زَوْجةً من
(١) انظر "التمهيد" ٤/ ١٠٩ و" أصول السرخسي" ١/ ١٧٩ و "إيثار الِإنصاف": ١٤٨، و"مسند" أحمد ٥/ ٣٣٠، و"فتح الباري" ١٠/ ٢٥٧، و"سنن النسائي" ٦/ ٩١.