للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

ومحمد كَهُما في النبوَّةِ بدلالةِ المعجزةِ، لم يَلْزَم في التساوي في الإعجاز أن لا تتضادَّ نفسُ المعجزةِ أو تتغايَرَ، بل لو كان أحدُهما يُميتُ الأَحياءَ، مِثلَ إصعاقِ السبعين لموسى الذين بُعِثوا من بَعْدِ موتِهم، وإخراجِ يده بَيْضاءَ بَعْدَ عدم بياضِها، وكان الأخَرُ يُحيي الموتى وُيزيلُ بياضَ البَرَصِ، لم يَمْنَع ذَلك التضاد والتباعدُ والتغايرُ من اجتماعِ الكل في دلالةِ الصدقِ والرسالةِ. وكذلك اختلافُ مُعجزِ نبينا بكونه انفلق له القَمَرُ في السماءِ، ومعجز موسى فَلْقُ البحرِ في الأرْضِ، كذلك حُكْمُ علَّةُ المُعَللين ها هُنا: التسويةُ بين الصغيرِ والكبيرِ، والجامد والمائعِ دون ما وراءَ ذلك.

فصل

ومما ردوا به القياسَ: قولُهم: إن هذا قياسٌ لم يُصَرح بحُكمهِ، ومثال ذلك قولُ أصحابنا وأصحاب الشافعيُّ في مسألةِ القَتْلِ بالمُثَقل: إنه آلةٌ تقتلُ غالباً، فأشبَهَتِ المُحددَ (١) ٠ أو يقول الحنفيُّ في نَفي النيةِ في الوضوءِ: بأنَها طَهارة بالماءِ أشبهَتْ إزالة النجاسةِ، فيقول المعَترضُ من كلُّ طائفةٍ على مُخالفهِ المُعَفَل بمِثْل هذا: إنّك لم تُصَرحْ بالحُكْم الذي تُثْبتُه عِلتُك، بل قَوْلُك: فأشبَهَ، أجْمَلَ (٢) الحُكْمَ إجمالاً، فلا يُعْلَمُ من حُكْمِكَ ما تُريدُهُ، ألا ترى أنك إذا قُلْتَ: زْيدٌ أشْبَهَ عَمْراً، أو يُشْبهُ عَمْراً، لم يُعْلَمْ في ماذا يشْبِههُ. فالجواب أن نَقول: إنما أرَدْت التشبهَ في الحُكْم الذي اختلفنا فيه ودَلَلْتُ عليه، وعنه سُئِلْت، فكان


(١) انظر" التمهيد" ٤/ ١١٣.
(٢) في الأصل: إجمال.

<<  <  ج: ص:  >  >>