ذلك خُروجاً عن قانونِ الجَدَلِ ولو وَجَبَ ما ذَكَرْتُم لوجبَ إذا سُئِل عن مسألةٍ يقتضي الحالُ استدلالَه فيها بالعُمومِ أو بدليلِ الخطاب فدل بذلك، فناكره السائلُ وقال له: هذا ليس بدليلٍ عندي، أن لاَ يَشْرعَ في الدلالةِ على أن العُمومَ صيغةٌ، وأن دليلَ الخطاب حُجةٌ، بل يقالُ له: هذا انتقالٌ، وهلا بدَأتَ السائلَ لك بالاستفْصَالِ عن تَسْليمه أو مَنْعِهِ لئلّا يحتاجَ إلى هذا المُوهِمِ أنه انتقال؟ بل كان الأمْرُ فيه على ما ذَكَرْنا من المُضيِّ على سَنَنِ ما سُئِل عنه والدلالةِ عليه بما يعتقدهُ دليلاً، فإن مونع فَدَعتْهُ الحاجةُ إلى إقامةِ الدليلِ على صحةِ ما استدل به، فَعلَ ذلك، وكان سُلوكاً لقانونِ الجَدَلِ، كذلك هاهُنا ولا فَرْقَ بينهما، وهذا كلُّه لمعنى أصليٍّ، وهو أنَّ مَنْ كان معه في حُكْم الأصْلِ مِثْلُ هذا الخبرِ المشهوار المُدوَّنِ في الكُتبِ والسُّنَنِ، لا يجوز أن تَضْعُفَ نَفْسُهُ في البناءِ عليه، بحيث يستسلمُ حكْمَهُ مَنْ عَساهُ لم يَسْمَعْهُ أو لم يَعْرِفْ محلَّه من إثْباتِ الحُكْمِ. ويطولُ علينا في الجَدَلِ أن نَبتعد عن إسناداتِ الأحكل أم إلى مِثْل هذه الآثارِ لأجْل شُبَهِ المُخالفين.
فصل
فإن استدل أصحابُنا أو أصحابُ الشافعي في مسألة إِثباتِ الخيارِ في النكاحِ بالعيوب، بأنَ العَيْبَ، معنى يمنعُ أكْثَرَ المقصودِ أو مُعْظَمَ لمقصودِ، فأُثْبِتَ الخَيارُ كالجَب والعُنةِ، فقال المُعْتَرِضُ: لا نُسَلِّمُ أَن الجَب يُثبتُ الخيارَ، وإِنَما المثبتُ للخِيارِ عدم استقرارِ المَهْر (١).
(١) انظر "التمهيد" ٤/ ١١٩ - ١٢٠. وانظر: "الاختيار في تعليل المختار" ٣/ ١١٥ و"رحمة الأمة": ٤٠٠ و "المغني" ٦/ ٤٧١.