ذلك على صحةِ علتهِ التي انتزَعَها إلا أنْ يبين أنه لا يُمكنُ أن يُعَللَ بغيرِ ذلك، فيكون حينئذٍ دلالةُ التقسيم، وقد ذكرناها.
فصل
فأمَّا اطرادُ العِلةِ في معلولاتِها وجَرْيُها، فقد اختلف الناسُ فيه، فمنهم مَنْ جَعَلَهُ دلالةً على صحتها. ولأصحابِ الشافعيِّ فيه وَجْهان:
فمنْ جعله دليلاً تعلق بأن هذه العلَّةَ لو لم تكُن صحيحةٌ لكان يردها أصل من أصولِ الشريعةِ فلما لم يردَّها شيءٌ، دل ذلك على صِحتِها، وقد دل على ذلك قولهُ تعالى: {وَلَوْ كَانَ مِنْ عِنْدِ غَيْرِ اللَّهِ لَوَجَدُوا فِيهِ اخْتِلَافًا كَثِيرًا (٨٢)} [النساء: ٨٢] فاستدل عليهم لصحتِهِ أنهَ من عند الله بِعدمِ الاختلافِ والمناقضةِ (١).
وذهبَ الأكثرون إلى أنه لا يكونُ دلالةً، لأن كلُّ واضع لِمذْهب يُمكنه أن يَطْرُدَهُ لا تَبَعاً للأدلةِ ولا التأثيرِ، لكن بتركِ كلِّ قَوْلٍ يُخالفُ وضْعَهُ وبطَلب أنَّ لا ينتقضَ وَضْعُه، حقاً كان المذهبُ الذي يضعُهُ أو باطلًا.
وإِذا كان الطرْدُ فِعْلَ القائسِ لأنه إذا استخْرجَ الوصْفَ من الأصْلِ، طَردَهُ في كلُّ موضع وُجِد فيه، لم يَغْلِبْ على الظن إثبات الحُكْمِ في الفَرْع، لأن الذي ينبغي أن يطردَهُ بعد ثُبوتِ كَوْنِهِ عِلَّةً في الأصلِ، فلا يكَون طَرْدُهُ دِلالةً على كَوْنهِ عِلَّةً، بل يكون كونُه علةً
(١) انظر "التمهيد" للكلوذاني ٤/ ٣٥ و"الوصول إلى الأصول" لابن برهان ٢/ ٣٠٣.