أوجَبَ الحكمَ في كلُّ محل؛ ألا ترى أن القائسين أجمعوا على أنَّ العلَّةَ في الأعيانِ المنصوصِ عليها في تحريم التفاضلِ واحدةٌ، ثم اختلفوا في تلك العلَّةِ الواحدةِ، وكل واحدٍ منهم ذكر علةً اطردَتْ في الفُروع (١)، فمن قال: الطُّعْمُ. لم يُخْرِجْ مطعوماً عن كَوْنهِ يحرمُ فيه الربا لوجودِ اَلعلةِ فيه لا قَصْداً لطَرْدِها بل هي المُوجبةُ لذلك، حيث اجتهد فلم يُفْضِ به اجتهادُهُ إِلأ إلى أنها علَمُ الحُكْمِ شَرْعاً.
وكذلك مَنْ قال: هي الكَيْلُ، طَرَدها في كلُّ مكيل مطعوماً كان أو غَيْرَهُ.
وكذلك من قال: انها القوتُ. طردها في كلُّ قوتٍ.
ثم اتفقوا جميعاً على واحدةٍ من العِلَلِ، هي الصحيحةُ دون الباقياتِ وإن كان الطرْدُ قد شمل الكل، فلو كان الطرْدُ عندهم دلالةً على الصحة لكانت العِلَلُ كفها عند كلُّ واحدٍ منهم صحيحةً، فلما اتفقوا على أن الطرْدَ في الكل والصحةَ مختصةٌ بواحدةٍ، بَطَلَ أن يكون الطرْدُ بإجماعِهم دلالةً على الصحةِ.
فصل
وقد ذكر بعضُ أهلِ العلمِ أن سلامةَ العِلةِ مما يُوجبُ فسادَها دِلالةٌ على صِحتِها، وذهب إليه بعضُ أصحابِ الشافعيُّ رحمة الله عليه قالوا: لأنها لو لم تكن علةً لم تَسْلَمْ مِنْ وجْهٍ من وجوهِ الفسادِ الذي يُعترضُ به على العِلَلِ، ويكون ذلك كافياً في إثباتها، وهذا لا يكفي؛