فإنَّ تطرُّقَ الفسادِ قد يكونُ لِما قدَّمْنا ذِكرَهُ، وهو وضْعُ المذهب، على أَنّه لا يَقْبلُ على العِلةِ نَقْضاً، فنضع المذهبَ لِصحتِها على وجْهٍ لايقْبل المناقضةَ، وأفعالُ الإنسانِ ووضْعُهُ لا يكونُ ذلك دِلالة على صِحة مَذْهبهِ، ولذلك لو أنَّ مُدعي النبوَّةِ قنعَ في الدلالةِ على أنَّ المُنكرين لنبوَّتهِ لا يجدون ما يُكذّبُه لم يَكفِ ذلك دِلالة على صِدْقِهِ حتى يُقيمَ شاهداً بصدْقِهِ، لأن الخَصْمَ يجوزُ أنَّ يُقَصرَ، والمُكذِّبَ لهذا المُدعي يجوز أنَّ يُقَصرَ عن إيرادِ ما يُفْسِدُ قَوْلَ المتنبّىءِ ودعواهُ وعِلةَ المُعَلل، وكذلك المُدعي لسائر الحُقوقِ لا تكون الدلالةُ على صحةِ دعواه كوَنَ المُدعى عليه لا يجدُ ما يردّ دَعْواه ويكذبها، بل لا يُصَحَحُ دَعْواهُ إلأ حُجة يرتضي بها الشرع لإثباتِ دَعْواه هي غَيْرُ عجزِ المُنكرِ (١). فأمَّا قولُه سبحانه: {أَفَلَا يَتَدَبَّرُونَ الْقُرْآنَ وَلَوْ كَانَ مِنْ عِنْدِ غَيْرِ اللَّهِ لَوَجَدُوا فِيهِ اخْتِلَافًا كَثِيرًا (٨٢)} [النساء: ٨٢] فلا يُشْبهُ ما نحن فيه؛ لأن القرآن لما تضمن الأخبارَ السالفةَ والآنِفَةَ، والغُيوبَ المنتظرةَ والدلائلَ الباهرةَ وزعم القَومُ أنه مِنْ عند النبيِّ - صلى الله عليه وسلم -، وأنَّه ظَفِرَ بما فيه من ذلك بالمُدارَسةِ والاطلاع على السِّيَرِ، كان من جواب الله سبحانه لهم وما أبطلَ به دَعواهم أنَّ قالَ: لو كان هذا من مخلَوقٍ لَما خَلا من اختلافٍ، فكان مُضيهُ على سَنَنٍ واحدٍ، وان كلُّ ما أخبرَ به عن الماضي كان كما أخْبَرَ به، وما كان من المُستقبلِ جاءَ كَفَلَقِ الصبْحِ كَوَعْدِه بإحدى الطائفتين يَوْم بَدْرٍ، وبالفتحِ، وبغَلَبةِ الروم، وبموتِ أبي لهب على الشرك، وبإظهارِ دينهِ على الأديانِ كلها لمَ يَنْخَرمْ من ذلك شيءٌ علِمَ أنَّه لا يَقعُ ذلك بحيث لا يتطرَّقُ اليه اختلافٌ إلّا مِمَّن يطلعُ على الغُيوبِ