للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

بعِلْم أزلي وإحاطةٍ ربانيةٍ (١).

فإن احتجَّ مُحْتَج بكونِ الطردِ دِلالةً بأنْ قال: إني تَتَبعْت (٢) الأصولَ فما وجَدْتُ ما يعترض عليها، فلهذا احتَجَجْتُ بها، وهذا بمنزلةِ المُحتَجِّ بالعمومِ إذا زَعمَ أنه تَتَبعَ الأصولَ فلم يجد ما يُخَصِّصُه، كانَ لهُ الاحتجاج بهِ، فجوابُ هذا المُحتج أنْ يُقالُ لهُ: دَعواكَ لذلكَ لا تُصحِّحُ دليلَكَ؛ لأنكَ تحتاجُ إلى اثبات مَا ادعيتَهُ مِنَ العِلةِ أولًا ثم دَعْواكَ أنكَ تَتبعْتَ الأصولَ، فليس تَتَبعُكَ وعَدمُ وُجْدانِك كافياً، لأنكَ قد لا تَجدُ ما يكونُ موجوداً لِغَيرك؛ إمَّا لقصورِكَ عن الطلبِ وتحقيقه، أَو لِمحبَّةِ المذهبِ وسلامته من المناقضةِ. ويجوزُ أَن لا تَجِدَ في حالٍ وتَجدَ في حالٍ أُخْرى، فلا تَجْعَلْ عدمَ وُجدانِك دليلاً، كما لا تجعلْ عدم وُجْدان ما تكذِّبُ به المتنبّىءَ والمُدعي دليلاً على صحةِ النبوةِ والدعوى، وفارقَ العُمومَ لَأنَّ في اللَّفْظِ ما يُعطي الشمولَ والاستغراق، وإِنَّما ذهبَ قَوْمٌ إلى أَنّه يَسْتَقرِىءُ الأُصولَ لئلا يكونَ فيها ما يُخَصِّصُهُ، وغايةُ ما على المستدلِّ بالعُمومِ أَن لا يعلمَ تَخْصيصَه، وعلى المُعترضِ إثباتُ تَخْصيصِه. وفي مَسأَلتِنا: على المُعلِّلِ أَن يدلَّ على كَوْنِ ما عَلَّل به عِلَّة ودليلاً، والعِلَّةُ لا تكون عِلَّةً إلاّ بدِلالةٍ على صِحتِها، فأينَ العمومُ من مسألتنا والحالُ هذه؟


(١) انظر " التمهيد"٤/ ٣٥، و"شرح الكوكب المنير"٤/ ٤٠٠.
(٢) في الأصل: "سمعتُ". ولعل الجادةَ ما أثبتناه. ويدل عليه ما بعده من قوله: إنكَ تَتَبعْتَ ... الخ.

<<  <  ج: ص:  >  >>