للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

الأخرى والولدِ الآخرِ.

ومنهم مَنْ أَجاب بغير هذا، فقال: بأَنَّ هاتَينِ كالعِلَّتَيْن عارضتان، واعتل في ذلك بأن العلةَ تقتضي الحُكْمَ، فلا يجوزُ أن تقتضي ما يقتضيها وتوجبُ ما يُوجبها. فقيل له: هذا حُكْمُ العِلَلِ العقليةِ الموجبة (١)، فأمَّا هذه فإنَّها أمارَة.

فأَجابَ: بأنَّ هذه وإن كانت أمارَةً، فقد جُعلتْ بمنزلةِ المُوجبةِ، ولهذا لم نُجوِّزْ تخصيصَها كما لا تُخَصصُ العقليةُ لأنها بعد جَعْلِها علَّةً وجبَ أن تُعْطى حُكْمَ العِلَلِ، ولو رُوعيَ فيها معنى الأمارةِ دون العلَّةِ لجازَ تَخْصيصُها كما يجوزُ تَخْصيصُ الألفاظ. وبهذا فارقَ ما احتج به الأوَّل من التسويةِ بينه وبين الأولادِ والنساءِ لَأن العِلْمَ بذلك لا من جهةِ العلَّةِ، لكنْ بمحْضِ الأمارةِ، ولهذا يجوزُ أن يُدْفَعَ إليها مَرةً واحدةً، فثبت أنه ليس أحدُهما علةً للآخَرِ؛ اذ لو كان علَّةً لاحتاجَ المعلولُ إلى العلَّةِ وما وُجدَ معه، فما وُجِد عنه ولا لأَجْلِهِ. فإن قيلَ: فمثلُه نقول في مَسْألتنا، إذا لْبتَ صحةُ الظهارٍ من شَخْصٍ ثَبَتَ صحةُ الطلاقِ منه، واذا ثبَتَ صحَةُ الطلاقِ منه ثْبَتَ صحةُ الظهارِ منه.

قال: لا يُمكنُ ذلك، لأن العِلةَ يجبُ أن تكونَ جاريةً في معلولاتِها، واذا وجَبَ كونُ السابقِ منهما علةً وجَبَ كونُه علةً حيث وُجدَ، لأن العِلة وجودُهُ دون سَبْقِهِ، ومنْ قال بهذه الطريقةِ، أجابَ عن هذه المُعارضةِ بأَن علةَ المستدلِّ تتعدَّى وتُفيدُ حُكْماً، وهو ظِهارُ الذميِّ،


(١) لأن الحُكْم لا يثبتُ في العَقْلِ بأَكْثَرَ مِنْ علَّةٍ واحدةٍ. انظر"التمهيد" ٤/ ٢١٢.

<<  <  ج: ص:  >  >>