للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

معلولًا، وذلك مِثل ما قال أصحابُنا وأصحابُ الشافعيُّ في ظِهارِ الذمِّيِّ: مَنْ صح طلاقُه، صح ظِهارُهُ، كالمُسْلمِ (١).

فيقول المخالفُ: لا أسلِّمُ هذه العلَّةَ في الأصْلِ، بل صحةُ ظِهارِ المسلم عِلة في صحةِ طلاقهِ، فيكونُ قَلْباً؛ حيث جعل الحُكْمَ في الفَرْعِ علةً لحُكْمِ الأصْلِ.

وقد اختلف الناسُ في الجوابِ عن ذلك: فلأصحابِ الشافعيُّ وجْهان:

فمنهم مَنْ قال: الجوابُ عنه أن ما ذَكَرَهُ المُخالِفُ من العلَّةِ لا يُعارِضُ عِلةَ المستدلِّ. ويجوزُ أنَّ يكون كلُّ واحدٍ من الحُكمين علةً للآخَر، لأن عِلَلَ الشرْع أدلةَ وأماراتٌ على الحكمِ غَيْر موجبات، فتكونُ إِحدى الَأمارتَين دالّةً على حصولِ الأَمارةِ الأُخرى، فيحسن أَن نقولَ: مَنْ صَحَحت ظهاره فاحكُموا بصحَّةِ طلاقهِ، ومَنْ صحَحت طلاقَه، فاحكُموا بصحةِ ظِهارهِ، وإنما يمتنع هذا في العقلياتِ؛ لأنها عِلَل مُوجبات.

وقد وردَ الشرعُ بما يشهدُ لِما قُلْنا في العِلَلِ الشرعيةِ؛ فإنه أمَرَنا بالتسويةِ بين الأولادِ في العطايا والهِباتِ، وبين تسوية ما بين النساءِ في القَسْم، فاذا عَلمْنا أنه قَسَمَ لامرأةٍ وأعطى ولداً عطيةً عَلِمْنا بذلك أَنّه قَسَمَ للأخرى وأعَطى الولدَ الآخَرَ عَطيةً، ويكون وجودُ كلِّ شي من ذلك في حق بعضِ النساءِ وبعضِ الأولادِ دلالةً على وجودِهِ في حقِّ المرأةِ


(١) "التمهيد"٤/ ٢١٠ وانظر "الكافي" لابن قدامة ٣/ ١٦٥ و"رحمة الأمة": ٤٢٥.

<<  <  ج: ص:  >  >>