ذكره من اختلافِ القليلِ (١) والكثيرِ في الأصولِ، فإِنَّما هو في حُكْمٍ اخر، فلم توجد علَّةُ ذلك الحُكْمِ في القليلِ، فلم يشارِك القليلُ الكثيرَ في حُكْمِهِ، بخلافِ مَسْألتنا.
وأمّا مَنْ يَقنَعُ في صحةِ العلَّةِ بجريانِها وسلامتِها على الأصولِ، فيُجيبُ: بأن الأصولَ ليسَتْ مُتفِقَةً فيما ذكَرْتَهُ، بل منها ما يستوي فيه القليلُ والكثيرُ مِثْل الكلام العمْدِ في الصلاةِ، وتركِ شيءٍ من الوضوء، والزيادةِ في الرِّبا، وما أَشبهَ ذلك. وإذا كان من الأحكامٍ ما يستوي فيه القليلُ والكثيرُ، وفيها ما يختلفُ، كانت الأصولُ متعارِضة، فلا مخالفةَ وكانت علتي سليمةً.
فإنْ قيل: العِلةُ إذا خالفَت بعضَ الأصولِ، كَفى في إفْسادِها وإنْ وافَقَتْ غَيْرَهُ، ألا ترى أن العلَّةَ تُنْقَضُ بمسألةٍ واحدةٍ وإن كانت جاريةً في غيرِ تلك المسألةِ.
فالجوابُ: أن النقْضَ كونُ الوصفِ علةً للحُكْمِ إذا كانت موجودةً فيه، والحكمُ معدومٌ. وفي مسألتِنا اختلفَ القليلُ والكثيرُ في غيرِ الحُكْمِ الذي يُصيبُ العلَّةَ، وإنما يفسدُ اعتباره إذا كان مُخالِفاً لجميع الأصولِ، فإذا كان منها ما يُوافقُ اعتبارَه، لم يُعترضْ بالفسادِ على ما وافَقَ اعتبارَهُ، فلا يُعترضُ على اعتبارِهِ.
فإن قيل: إذا كان فى الأصولِ ما يُخالفُ هذا الاعتبارَ وفيها ما يُوافقُه، وجبَ تقديمُ المُعترضِ، كماْ يقدَم الجَرْحُ في الشهادةِ على التزكيةِ والتعديلَ.