للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

فالجوابُ: أَن ذلك ليس بجارح، لِما بيَّناهُ مِنْ أنَّه لم يَجْرَحْ فيما وافق هذا التعليل، لأنه ليس في حُكْمِهِ، وإنما الجارحُ بَعْضُهُ، وقد قَدَّمناه، ولأنَ الجارحَ في الشهادةِ إنَّما قَدَّمْنَاهُ لأنه عَلِمَ ما خفيَ على المُزكين، لأن ما يَجْرَحُ أبداً يستسرُّ به في العادةِ، وما يُمْدَحُ به وُيزكَّى يتظاهرُ به الناسُ في العادةِ. وفي مَسْألتِنا هما سَواءٌ وكان ذلك بمثابةِ أن يختلفَ المُتبايعانِ في شَرْطٍ يُفسِدُ العَقْدَ، فأحدُهما يدَّعيه والآخَرُ يُنكرُهُ، فإنا لا نُقَدمُ ما يَجْرَحُ العَقْدَ بل ما يُصَححُة (١).

وفَرْق آخَرُ: وهو أن الشهادةَ لا يُرجحُ فيها بكَثْرةِ العَدَدِ، فإذا تقابَلَ الجَرْحُ والتعديلُ تعذرَ الحُكْمُ بالشهادةِ، والقياسُ يُرجحُ فيه بكَثْرةِ الأصول وِالنظائرِ، فإذا تقابلت الأصولُ بقيَ أصْلُ العِلةِ فرجَحَتْ به.

فإن قيل: فقد افترق الحالُ بين قليلِ النجاسةِ وكثيرِها؛ فإنه عُفِيَ عن يسيرِ الدمَ.

قيل: إنما افترقا للمشقةِ بازالةِ القليلِ من الدم وتعذُّرِ الاحتراز منه، فلا تُوجدُ فيه علتُنا، فأمَّا قَدْرُ الدرهمِ فليس بيسَيرٍ؛ ألا تَرى أنَّ ما زادَ على الدرهمِ يستوي حكْمُهُ وحُكْمُ ما هو أكثرُ منه (٢).

وكذلك انْ قال المُعترضُ: اعتَبرْتَ الصغيرَ بالكبيرِ في الزكاةِ، واعتَبَرْتَ الثيبَ الصغيرةَ بالكبيرةِ في الولايةِ، والبكْرَ الكبيرةَ بالصغيرةِ في الإجبارِ، واعتَبَرْتَ حق الله تعالى بحق الآدميَ وكذلك في إيجابِ


(١) "التمهيد"٤/ ١٩٦.
(٢) انظر: "المغني"١/ ٢٤٨ - ٢٤٩.

<<  <  ج: ص:  >  >>