للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

لم يَجِدِ الماء، ولم يُوجبْهُ مع وجودِه، والقياسُ معنىً ليس بلفظ يُوجِبُ ما ظننْتُموهُ، فمِن أينَ لنَا أنَّ المعنى القِياسِيِّ (١) الذي أداهُم إلى وجوبِ الصلاةِ أو صِحتِها مع عدم الماءِ، يُوجبُهُ مع وجودِ الماءِ؟ والقياسُ طريق من طرقِ الأحكام يَجوزُ عندنا أنَّ تُجْمعَ الأمةُ على الحُكْمِ عنه (٢)، وليس يَصِحُّ الجمعُ بين مسألةٍ دَل القياسُ عليها عند المُجمِعينَ على صحته، وبين أخرى مُختلَفٍ فيها، إِلا بوجْه يُوجِبُ رَد المُختلَفِ فيه إِلى المُتَفَقِ عليه، ومتى تَعاطَوْا هذا ورَجعُوا إِليه، تَركوا التَّعلقَ بالإِجماع، وأخذوا في المقاييسِ الدالةِ على صِحَّةِ المُضِيِّ في الصلاة، وَهذا ما أرَدْناهُم عليه.

وقد اعْتَلُّوا لصحةِ مَقالَتِهم التي طَعَنا فيها، ودَللْنا على فسادِها؛ بأن قالوا: إن الشَرْعَ قد قَررَ ذلك؛ حيث قال النبي - صلى الله عليه وسلم -: "إن الشَيطانَ ليَأتِي أحدَكُم، فينفُخُ بين ألْيَتَيْهِ، فلا يَنْصَرِفَن حتى يَسْمعَ صوتاً، أو يَشمَ رِيحاً" (٣) فأثبتهُ - صلى الله عليه وسلم - على حُكمِ اليقينِ، وأسْقَطَ حُكمَ الشَك، فكذلك يَجِبُ أنَّ نكونَ على ما أجمعنا عليه، ونُسقِطَ حُكمَ الاختلاف، لأن المجمعَ عليه مُتيقن، والمُخْتلَفَ فيه متوهَّمٌ، فوجَبَ تَرْكُ الشك لليقينِ.

فيقالُ لهم: الجوابُ عن هذا من وجوهٍ:

احدها: أنَّ تَوهمَكم أنَّ الأمَةَ مُجمعَة على صحة المُضي في


(١) في الأصل: "القياس".
(٢) انظر "التمهيد" ٣/ ٢٨٨، و"شرح الكوكب المنير" ٢/ ٢٦١، و"المسودة" ص ٣٢٨ و٣٣٠، و"شرح مختصر الروضة" ٣/ ١٢١.
(٣) تقدم تخريجه قريباً في الصفحة (٣٢٣).

<<  <  ج: ص:  >  >>