للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

ذِمتِه، وليس المرادُ بقولنا: إنَّ أقل ما قيل مُجمعٌ على استحقاقِه، أنَّهُ مجمعٌ على أنه كُل المُستحَقِّ، وإِنما المرادُ به: أنه مُستحق به، وما زادَ عليه فيُختلَفُ فيه، فعلى الزائدِ الدليلُ وإلا فالأصلُ براءةُ الذمة.

فصل

واعْلَمْ نفَعَك الله أن هذه الطريقةَ التي ذَكَرْناها في وجوب أخْذِهِ أقل ما قيل، وإلغاءِ ما بعدَهُ إذا لم يَدُل على وجوبِه دليلٌ، طريقةٌ مُعتمدةٌ، وفي إِسقاطِ جميعِ ما يُسألُ عنه من إيجاب صَلواتٍ وزكواتٍ وحُدودٍ وكَفاراتٍ وغيرِ ذلك.

وصورةُ الاستدلالِ بذلك، وتحريرة: أنَّ نقولَ: الدليل على سُقوطِ فَرْضِ ما سَألْتَ عنه: أنه قد صح براءةُ الذمة في الأصلِ، وأن الإِيجابَ فرضٌ مُحددٌ مُتلَقى من جِهةِ السمعِ، وقد فَتَشْنا السمعَ، وبَحَثْنا عن طُرُقِ الأدلَّةِ ومواضعِها ومَأخَذِها، فعَلِمْنا أنه لا دليلَ في السمعِ على إيجابِ ما سألْتَ عنه. وهذا إِنما هو استدلال بوجودِ العِلْمِ بفَقْدِ الدليلِ وعَدَمِهِ، الذي لا يَثْبُث الحكمُ الا بوجودِه، وليس برجوعٍ إلى أنَّا لم نَجِدْ على ذلك دليلاً؛ لأن القولَ بأنَا لم نَجِدْ دليلًا ليس بُمتَضمن لِعلِمنا بعدم الدليلِ، وإنما هو إخبار عن عدمِ وجودِنا له، وقد يكون الدليل موجَوداً وإن لم يَجِدْة الناظرُ، وقولُنا: قد عَلِمْنا أنه لا دليلَ على ما سألتَ، قطع على فقدِ الدليلِ. فاذا سُئِلْنا: من أين علِمْتمِ ذلك؟ أخبَرنا بطريقِ العلم به، وهو أن الدليلَ الشرعى لو كان موجوداً، لوجَبَ علمنا به مع شدة طَلَبنا له وبَحْثِنا عنه، وتوَفرِ دواعِينا على إِصابتهِ، وتَديُنِنا بالانقيادِ له، بلَ يَجِبُ أن يَجِدَه مَنْ لم

<<  <  ج: ص:  >  >>