للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

تَكمُلْ فيه هذه الخِلالُ عند طَلَبه، فكيف مَنِ اجْتَمَعتْ له، وتوفَرتْ هِمَمُه ودواعيه على إصابتِه؟! فهذَا دليل وثيقٌ في إسقاطِ فرضِ جميعِ ما سألَ عن الأدلةِ على زوالِ فَرْضِه، إذا كان الدليلُ عليه مفقوداً، فمن ظَن أن هذه الطريقةَ هي الرجوعُ إلى أنا لا نعلمُ على ذلك دليلاً، أو أنا لم نَجِدْهُ، فقد أبعدَ وأخطَأ.

وقد يُستدل بمثلِ هذه الطريقةِ بعَيْنِها على إسقاطِ القضايا العقليةِ التي لا دليلَ في العقلِ عليها، ولا ضرورةَ تُلْجِىءُ إلى إثباتِها، وذلك كاستدلالِنا على كذب المُتنبىءِ المُدَعِي للرسالةِ، إذا لم يَظهَرْ على يدِه من الآياتِ ما يَدُل عَلى صدقِه، ولم يكُنْ ما يُخبِرنُا عنه من ثبوتِ رسالته مما يُضْطَرُّ إلى العلمِ به.

ووجه الاستدلالِ على كذبِه: أن نقولَ: لو كان صادقاً، وليس إلى العلمِ بصِدْقِه من جهةِ الاضْطِرارِ سبيلٌ، لوجبَ أن يكونَ على ذلك دليلٌ منصوبٌ، ولا دليلَ عليه إلا الآياتُ الباهرةُ، وإذا عَلِمنا أنه لا آيةَ له، عَلِمْناكذبَهُ.

وكذلك فقد يُستدَل على سقوطِ إثباتِ أوصافٍ وحقائقَ للقديم والمُحْدثِ أكثرَ مما عَلِمْناها؛ بأنها إذا كانت مما لا تُعلَمُ اضْطِرارَاً، ولم يَكُنْ عليها دليل موجود، وجَبَ القَطْعُ على أنه لا أصلَ لها.

وكذلك قد يُستدَل على نفيِ قديمٍ عاجزٍ ومَيْتٍ بمثلِ هذا، في نظائرِ هذه الأمورِ، فيجِبُ أن يُتَنكَبَ في ذلك أجمعَ القولُ بأنا لا نَعلَمُ عليه دليلاً، ولم نَجدْ عليه دليلاً، ونقولَ مكانَ ذلك، وبدلاً منه: قد عُلِمَ أنه لادليلَ عليَه. فنأتي بلفظِ الإثباتِ.

<<  <  ج: ص:  >  >>