للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

برداة ذهبٍ كان عجلأَ، فتفرقتْ صورتُه عجلاً؟

فإنْ قالوا: نعم. تجاهلُوا.

وإِنْ قالوا: لا. قيل: فقد صارَ تقديرهُ، وأُشْرِبُوا في قلوبهم أجزاءَ ذهبٍ كان عجلاً، وهل وصلتْ بُرادتهُ إلى حبّاتِ قلوبِهم؟، وهل تصلُ سُحالةُ الحُلي إلى القلوبِ مباشرةً أو استحالةً، مع كونِ الذهبِ لا يستحيلُ كاستحالةِ الطعامِ, فيصلُ إِلى القلوبِ وصولَ المستحيلاتِ مِن الأغذيةِ، بل يَرْسبُ في المعدةِ، وهل يقالُ في عينِ الشيء: مثلُه إِلا مجازاً؟!

وقولكم: المرادُ بمثلهِ هو. فهذا عينُ المجازِ، إِنْ قُدِّرَ في قولِه سبحانه: {لَيْسَ كَمِثْله شَيْءٌ} ولأَنَّه لَيْسَ المِثْلُ من المِثْلِ بشيءٍ، لأن المِثلَ الشَّبَهُ، والشَّبهُ غيرُ، والمِثْلُ النَّعْتُ، وقولُه: {مثَلُ الجَنَّةِ} ليس مِن بابِ، {لَيْسَ كَمِثْلِهِ شيْءٌ}، فهذا قدرُ مَا سَمِعْتهُ منهم في المناظرةِ.

وأَمَّا تعلقهم بأَن المجازَ مِن ضَرورةِ اللَّفظِ، والباري سبحانه لا تتَطَرَّقُ عليهِ الضرورةُ، فهذا كلامٌ ضعيفٌ جداً، ولأن العربَ تتعمدهُ لتحسنَ كلامَها وتزينَ به حقائقَ الكلامِ، وتَعُده من القُدرةِ على النطقِ، ويَعُدونَ المقتصر على الحقائقِ مِن غيرِ توسعٍ، ضيِّقَ العبارةِ قصيرَ اللسانِ، والقرآنُ نزلَ بلغتهِم فجاءَ بطريقتهم.

ولأَنَّ الموضوعاتِ في الأصلِ كلها منا حاجاتٌ أو ضروراتٌ، وليستْ مِن الله سبحانه كذلك، فِمن ذلك الكلامُ نفسهُ على قولِ مَن أَثْبَتَه حرفاً وصوتاً (١)،


(١) قال شيخ الإسلام ابن تيمية في "مجموع الفتاوى" ١٢/ ٢٤٤: "إن الله تعالى يتكلم بصوت كما جاءت به الأحاديث الصحاح، وليس ذلك كأصوات العباد، فإن الله ليس كمثله شيء، فكما لا يشبه علمه وقدرته وحياته علمَ المخلوق وقدرتَه وحياتَه، فكذلك لا يشبه كلامه كلام المخلوف ولا معانيه تشبه معانيه، ولا حروفه تشبه حروفه، ولا صوت الرب يشبه صوت العبد".

<<  <  ج: ص:  >  >>