للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

أحدُهما: قولُهم: الخمرُ ما خَامَرَ العقلَ، قالَ ذلك عمرُ -رضي الله عنه- (١)، وعن ابن عباس: كلُّ مخمَّرٍ خَمْر (٢). ولَحظُوا أشكالًا وصوراً وَضَعَت العرب لأمثالِها أسماء فوضَعُوا لها تلكَ الأسماءَ كالصَّهالِ مِن الحيوانِ، سَموهُ فرساً، والنّهاق سموة حماراً، والنعاب سموه غُراباً، وليس شيءٌ من هذهِ الحيواناتِ كانت في وقتِهم، لكن أمثالُها، فَسَاغَ لِمنْ بعدهم أن سموا ما كان في وقِتهم مِن الحيواناتِ بالأسماءِ التي سمى مَن قبلَهم به أمثالَها، وهذا عينُ القياسِ، وليس مع نُفاةِ القياسِ نقل عن أهلِ اللغةِ انهم وضَعُوا ذلك لما يتسلسل من أنواعِها، ويتناسلُ قبيلًا بعدَ قبيلٍ.

الوضْعُ الثاني: أنَّهم استعاروا للآدمي أسماءً دَلتْ على لَحظْهم المعاني فيها، فقالوا للبليدِ: حمارٌ، وللمقدام: أسدٌ شجاعٌ، وللكريمِ: بحرٌ، وكذلك العالِمُ، وإنَما استعارواَ هذه الأسماءَ من موضوعاتِها لغير ما وُضِعتْ له، التفاتاً منهم إلى المعنى الذي لحَظُوُه، والوصفِ الذي وجدوا مثلَه في الآدمي، من بَلَادَةِ الحمارِ، وإقدامِ


(١) ورد ذلك من حديث ابن عمر، قال: سمعت عمرَ على هذا المنبر يقول: أيها الناس، إنما نزل تحريمُ الخمرِ وهي من خمسةٍ: من العنب، والتمر، والعسلِ، والحنطةِ، والشعير، وما خامرَ العقلَ فهو خمرٌ.
أخرجه: البخاري (٥٥٨١) و (٥٥٨٨)، ومسلم (٣٠٣٢) (٣٢) (٣٣)، وأبو داود (٣٦٦٩)، والترمذي (١٨٧٤)، والنسائي ٨/ ٢٩٥، والدارقطني ٤/ ٢٤٨ و ٢٥٢، وابن حبان (٥٣٥٣).
(٢) أخرجه أبو داود (٣٦٨٠) والبيهقي ٨/ ٢٨٨، من حديث ابن عباس مرفوعاً الى النيي - صلى الله عليه وسلم -، وقد سكت عنه أبو داود.

<<  <  ج: ص:  >  >>