للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

الأسدِ، وفيضِ البحر، وهل هذا إلا عين القياس؟!

وهذا بعينهِ هو الذي يَلْحظ الفقهاء من المعاني في المنطوقِ التي عَدَّوا به أحكامَها إلى المسكوتِ، وهي الطُّعْم في الحِنطةِ الذي وجدوه في الأرُزَ والذُّرَةِ، فعدّوا به تحريمَ التفاضلِ إليهما، فقد بَانَ بهذه الطريقةِ أنَّهم عَدَوا أسماءَ الحقائقِ من الحيواناتِ الماضيةِ، إلى الحيواناتِ الحادثةِ بالخصيصة، واستعاروا أيضاً بعضَ الأسماء لبعض المسَمَياتِ بالخَصيصة.

فإن قيلَ مقابل هذا الوضْعِ: بأنهم وضعوا على خِلافِ المُقَايَسةِ، وملاحظة المعنى بخلافِ عللِ الأحكام الشرعية: إنَّ اجتماعَ السوادِ والبياضِ في الحيوانِ، سمَّوا به الغرابَ أَبقعاً، والفرسَ أبلَقاً، والآدمي أبرَصَاً، وسمَّوا الفرسَ الأبيض أشْهبَ، والأسودَ من الخيلِ أدْهَمَ، ولم يوقِعوا على كلِّ حيٍ لونه أسود هذا الاسم، فَبانَ أنَ الوضعَ على خلافِ ما ظننتم.

قِيل: هذا النوعُ مِن الوضْعِ لا يَمْنَع القياسَ، فإِنَ الشريعةَ أيضاً قد غايرت الأحكامَ بَيْنَ المتَشاكِلَيْنِ، كما غايرت بين دم الحيْضِ والاسْتِحاضَةِ، وبَيْنَ المنيِّ والمذيِّ, وهما ينحلان عن الشهوة واللذة بالقبلة والملامسة, وفرقت بين مَيتةِ المسمكِ والجرادِ، وبين مَيتةِ الطائرِ والسارحِ، ولم يمنعْ هذا التحكم من قياسِنا، المسكوت على المنطوق الذي لم يتحكمْ فيه بالفرقِ بيْنَ المتشاكلَين، ولا الجمع بين المختلفَيْن.

فإن قيلَ: ففيما وضَعَتِ اللُّغة للنبيذِ من الاسمِ غنىً عن طلبِ

<<  <  ج: ص:  >  >>