للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

إلى صيغةٍ تُفارِقُها.

على أن في لغةِ العرب من السَّعَةِ ما يكونُ بعضُها بالإضافة إلى بعضٍ كالعُجمةِ لغرابَتها، ولَذلك غُبيَ عليهم الأبُّ، فلمْ يَدْرِ عمرُ ما هو، وقال ابنُ عباس: ما كنتُ أدري ما معنى {فَاطِرِ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ} [الأنعام: ١٤]، حتى سمعتُ امرأةً مِن العربِ تقول: أنا فطرتُه، أي ابتدأتُه، فعَلِمْتُ أنّه أرادَ مُنْشِىءَ السمواتِ والأرض أو مبتدىء السمواتِ والأرض (١).

وأما تبعيدهُم الإِستبرقَ عن لغةِ العرب، لكونهِ لا يُعْرفُ اشتقاقهُ، ولكونهِ على وزنِ استفعل، مثل استفرغَ، واَستنفذَ، واستخبرَ، واستبرد، واستنفرَ، واستغفر، واستعلن، فلا يلْزمُ، فإِنَهُ ليس يَلْزَمُ الاشتقاقُ في الأسماءِ؛ وقد أنكرَ المطالبةَ به جماعة من أهلِ العلمِ، وكذلك فيهم مَنْ أنكرَ الاعتبارَ بالأوزانِ، وقالوا: يجوزُ أن يكونَ فيها ما ليس بمشتقٍ من شيءٍ، ولا موزونٍ بشيءٍ، ولا على وزنِ غيرِه، فمدّعي نَفْيَ جوازِ ذلك لا يجدُ عليه دليلاً.

وبرهانُ ذلك: أَنّه لو كان كلُّ اسمٍ مشتقاً من شيءٍ غيرهِ لتسلسل، وما يتسلسلُ لا يتحصلُ، كما استحالَ ذلك في الحركاتِ التي ادَّعَتْ المُلْحِدَةُ العدميون، أَنّهُ لا حركةَ إِلاَّ مثلُها حركةٌ، ولا صورةَ إلا مثلها صورة،


(١) الذي وردَ عن ابن عباس في ذلك أنه قال:
"لم أكن أعلمُ فاطرَ السماوات والأرض، حتى اختصمَ أعرابيان في بئر، فقال أحدهما: أنا فطرتها، يُريدُ استحدثت حفرها".
أخرجه البيهقي في "شعب الإيمان" ٢/ ٢٥٨ وعلَّقه في "الأسماء والصفات" ص (٢٧)، والطبري (١٣١١١).

<<  <  ج: ص:  >  >>