للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

وأما تعويلهم على أنَّ الصلاةَ ما خَلَتْ من دعاءٍ والحج من قصدٍ والزكاةَ من مضاعفةِ أجرٍ، والصَّومَ من إمساكٍ، فهذا نظر إلى مالا يستَحِق به الاسمُ شرعاً إلا بانضمام شيء، فلو أتى بالدعاءِ، وتركَ ركناً من الأفعالِ، وأمسَكَ عن كُلِّ مبَاحٍ ومحظورٍ، وقَصَدَ كل مَنْسَكٍ، وأقامَ بكلِّ مكانٍ محترمٍ لكنْ بغير نيةٍ، وغيرِ ستارةٍ وطهارةٍ للصلاةِ، وإلى غيرِ القبلة، لم يَقَعْ الاسم الشًرعي مع وقوع الاسمِ اللغوي في وَضْعِ القَوْم، ومحال أنْ يَكونَ الوَضْع اللغوي مبْقى، وهو ينفى في الشرع، لمكانَ اختلالِ ما اعتبرة الشرع، فما صار الاسم اللغوي بعد وضعَ الشرع ما وضعَ واعتباره لما اعتبرَ من الشروطِ، إلا بمثابةِ المجازِ الذي يحْسُنُ نفيهُ، حتى إنَّه يقالُ للمُمْسكِ من غير نِيَّة: ليس بصائمٍ، وللحاجِّ مع الوطءِ متعمداً: ليس بحاج، لكنه مُفسدٌ للحج، ونقيسه على هذا في صلاةِ المحْدِثِ، فعلِمَ بأن الوَضْعَ منقولً إلى معنى آخر.

ألا ترى أن الوَضْعَ اللغويَ الذي لم ينْقلْ، إذا تشعبَ معناة، لم تَقَع التسميةُ عليهِ إلا مجازاً، كالرُّمح إذا قُلعَ سنانُه قيلَ: قناةٌ، والمائدة إذا رُفعَ الطعام عنها قِيل: خِوان، فصَارَ الحجُّ والصلاة إذا رُفع عنهما بعض أنساكِهما وشرائطِهما، في رفعِ الاسمِ عنهما شرعا بعدما سُمِّيتْ، كالأسماءِ الموضوعةِ لغةً لأشياءَ مخصوصه، لا تقع عليها إذا اختلَّت تسمياتها، مع حراسةِ ما وضِعَتْ لأجلهِ في اللغةِ، وهو القصد في الحج، والدعاءُ في الصلاةِ، والإِمساك في الصومِ.

وأمَّا تعويلهم على أنها سميَتْ صلاة للاتباع، وأن المأمومَ تالٍ ومُتابع، فهذا إنْ وُجِدَ في المأمومِ، يجب أَن يفْقَدَ في الإمامِ

<<  <  ج: ص:  >  >>