للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

قُلتُ: وهذا غير مُسَلّم لابن زُرَارَة؛ فإنّ ابن سِيْدَه إنْ كان أمْلَى المُحْكَم في اللُّغَة، فأبو العَلَاء قد أمْلَى من خَاطِره نَثْرًا: كالأَيْك والغُصُون، والفُصُول والغَايَات، والسَّجْع السُّلْطانيّ، وغير ذلك مما يَتَضَمَّن اللُّغَة وغيرها من الألْفَاظ البَلِيْغة، والكَلِمَات الوَجِيزَة، ونَظْمًا مثل: اسْتَغفِر واسْتَغْفري، ولُزوم ما لا يَلْزم، وجَامِع الأوْزَان، يَزِيدُ على المُحْكَم في المِقْدَار أضْعَافًا مُضَاعفة، وكُتُبه مَحْصُورة ولولا خوْف الإطاله بذِكْرها لذَكَرتُ أسْماءها، وبَيان حَجْم كُلّ مُصَنَّف منها، وقد اسْتَوْعَبْتُ ذلك في كتاب دَفْع الظُّلْم والتَّجَرِّي عن أبي العَلَاء المَعَرِّيّ (١).

أنْبَأنَا أبو اليُمْن زَيْد بن الحَسَن الكِنْدِيّ، قال: أخْبَرَنا أبو مَنْصُور بن زُرَيْق، قال: أخْبَرَنا أبو بَكْر الخَطِيبُ (٢)، قال: أحْمَدُ بن عبد الله بن سُليْمان أبو العَلَاءِ التَّنُوخِيُّ الشَّاعر، من أهل مَعَرَّة النُّعْمَان، كان حَسَنَ الشِّعْر، جَزْلَ الكَلَام، فَصِيح اللِّسَان، غَزِيرَ الأدَب، عَالِمًا باللُّغَة، حَافِظًا لها. وذَكَرَ لي القَاضِي أبو القَاسِم التَّنُوخِيّ أنَّهُ ورَدَ بَغْدَاد في سَنَة تِسْعٍ وتِسْعِين وثَلاثِمائة، وأنَّهُ قرأ عليه دِيْوان شِعْره ببَغْدَاد.

قال الخَطِيبُ (٣): وكان أبو العَلَاء ضَرِيْرًا، عَمِيَ في صِبَاه، وعَاد من بَغْدَاد إلى بَلَده مَعَرَّة النُّعْمَان، فأقامَ به إلى حين وفاتهِ، وكان يتزهَّدُ ولا يَأكُل اللَّحْمَ، ويَلْبس خَشن الثِّيَاب، وصَنَّفَ كُتُبًا في اللُّغَة، وعارَض سُورًا من القُرْآن، وحُكي عنه حكايات مُخْتَلفَة في اعْتقادِه، حتَّى رَمَاهُ بعضُ النَّاسِ بالإلْحَادِ.

أخْبَرَنا أبو القَاسِم بن أبي عليّ الرُّمَّانِيّ، قال: أخْبَرَنا أبو طَاهِر أحْمَد بن مُحَمَّد


(١) سماه كتاب الإنصاف والتحري في دفع الظلم والتجري عن أبي العلاء المعري، وانظر فيه مؤلفات المعري (ضمن كتاب إعلام النبلاء) ٤: ١١٠ - ١٢١، وانظر الرصد الذي أجراه ياقوت لمؤلفات المعري نقلًا عن أحد كُتَّاب أبي العلاء المعري وأدرجه في كتابه معجم الأدباء ١: ٣٢٧ - ٣٣٥، وكذلك فهرست مؤلفات المعري الذي أورده القفطي في كتابه إنباه الرواة ١: ٩١ - ١٠٢ وابن الساعي: الدر الثمين في أسماء المصنفين ٢٦٥ - ٢٦٤.
(٢) تاريخ بغداد ٥: ٣٩٧.
(٣) تاريخ بغداد ٥: ٣٩٨.

<<  <  ج: ص:  >  >>