للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

السِّلَفِيّ، إذْنًا إنْ لم يَكُن سَمَاعًا، وكَتَبَ إلينا أبو القَاسِم عِيسَى بن عَبْد العَزِيْز الأنْدَلُسِيّ، قال: أخْبَرَنا أحْمَد بن مُحَمَّد، قال: يُحْكى عن أبي العَلَاء المَعَرِّيّ في الكتاب الّذي أمْلَاهُ وتَرْجَمهُ بالفُصُول والغَايَات وكأنَّهُ مُعَارضَةٌ منه للسُّوَر والآياتِ، فقيل له: أين هذا من القُرْآن؟ فقال: لم تصْقُله المحاريبُ أرْبعمائة سَنَة.

وسَمِعْتُ والدي يقول: قيل إنَّ أبا العَلَاء عارَضَ القُرْآن العَزِيز، فقيل له: ما هذا إلَّا مَلِيح إلَّا أنَّه ليسَ عليه طلاوة القُرْآن، فقال: حتَّى تَصْقُله الألْسُن أربَعمائة سَنَة وعند ذلك انْظروا كيف يكون.

وقَرأتُ بخَطِّ الشَّيْخ أبي مُحَمَّد عبد الله بن مُحَمَّد بن سَعيد بن سِنَان الخَفَاجِيّ الحَلَبِيّ، في كتابٍ له تتبَّع الكَلَام فيه على الصّرْفَةِ، ونَصَر فيهِ مَذْهَب المُعْتَزِلة في أنَّ القُرْآن ليسَ بمُعْجزٍ في نَفْسه، لكنَّ العَرَب صُرفوا عن مُعَارضَته، فقال فيه: وقد حَمَلَ جَمَاعَةً من الأُدَبَاء قول أرْبَاب الفَصَاحَة أنَّهُ لا يتمكَّن أحدٌ من المُعارضَةِ بعد زَمان التَّحَدِّي على أنْ نظَمُوا على أُسْلُوب القُرْآن، وأظْهَر ذلك قَوْمٌ وأخْفاهُ آخرُون. وممَّا ظَهَر منه قَوْل أبي العَلَاء في بعض كَلامِهِ (١): أُقْسِمُ بخَالق الخَيْل، والرِّيح الهابَّةِ بلَيْل، بين الشَّرَطِ ومطَالِعِ سُهَيْل، إنَّ الكَافِر لطَويلُ الوَيْل، وإنَّ العُمُرَ لمَكْفُوفُ الذَّيل، اتَّق (a) مَدَارِجَ السَّيْل، وطالِع (b) التَّوْبَةَ من قُبَيْل تَنْجُ وما أخالُكَ بنَاجٍ.

وقَوْله (٢): أذلَّت العائدَةُ (c) أباهَا، وأضَاءَت الوَهْدَةُ ورُبَاها (d)، واللهُ بكَرَمهِ احْتَبَاها (e)، أوْلَاهَا الشَّرَفَ بما حَبَاهَا، أرْسَل الشَّمَالَ وصَبَاهَا، ولا يَخافُ عُقْباهَا.

وهذا الكَلَام الّذي أوْرَدهُ ابن سِنَان هو في كتاب الفُصُول والغَايَات في


(a) الفصول: وإيَّاك.
(b) الفصول: وعليك.
(c) ياقوت: العائذة.
(d) ياقوت: رباها.
(e) ياقوت: اجتباها.

<<  <  ج: ص:  >  >>