للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

تَمْجِيد الله تعالى والعِظَات، وهو كتاب إذا تأمَّلَهُ العَاقِل المُنْصِف عَلِم أنَّهُ بعيدٌ عن المُعَارَضَة، وهو بمَعْزِل عن التَّشَبُّه بنَظْم القُرْآن العَزيز والمُنَاقَضَة، فإنَّهُ كتابٌ وَضَعَهُ على حُرُوف المُعْجَم، ففي كُلِّ حَرْفٍ فُصُول وغَايَات، فالغاية مثل قَوْله: بنَاج، والفَصْل ما يُقَدِّم الغاية، فيَذْكر فَصْلًا يَتَضَمَّن التَّمْجِيد أو المَوْعِظَة ويَخْتمه بالغايةِ على الحَرْف من حُرُوف المُعْجَم، مثل تاج، ورَاج، وحَاج، كالمُخمَّسات والمُوشَّحات في الشِّعْر.

ولهُ كتابٌ آخر كبير نحو ستِّين مُجَلَّدًا على هذا الوَضْع أيضًا، سمَّاهُ: الأيْكَ والغُصُون، وسمَّاهُ: الهَمْزَة والرّدْف، يَتَضَمَّن أيضًا تَمْجيد الله تعالَى والثَّنَاء عليه والمَوَاعِظ، ولم ينسبُوه فيه إلى مُعارضَة القُرْآن العزيز، وإنَّما نَسَبُوه في الفُصُول والغَايَات لا غير.

وقد كان له جَمَاعَة يَحْسدونه على فَضْله ومكانَته من أبناء زَمانه، تصدُّوا لأذَاهُ، وتتبَّعُوا كَلامهُ، وحَملوه على غير المقصَد الّذي قصَدَهُ، كما هو عَادَة أبْناء كُلّ زَمان في افْتِرَاء الكَذِب واخْتلَاق البُهْتَان، ووَقَفْتُ على كتاب وضعَهُ في الرَّدِّ على مَنْ نَسَبَهُ إلى مُعَارَضَة القُرْآن، والجَوَاب عن أبيات اسْتَخرجُوها من نَظْمه، رَمُوه بسَبَبها بالكُفْر والطُّغْيَان، سَمَّى الكتاب بزَجْر النَّابح، وردَّ فيه على الطَّاعن في دِيْنه والقَادِح.

قَرأتُ بخَطِّ أبي طَاهِر السِّلَفِيّ في رِسَالَةٍ كَتَبَها أبو المُظَفَّر إبْراهيم بن أحْمَد بن اللَّيْث الأذرِيّ إلى الكِيَا أبي الفَتْح الأصْبَهَانِيّ قال: ومنها - يعني من قِنَّسْرِيْن - أدْلَجتُ مُتَوجِّهًا إلى مَعَرَّة النُّعْمَان، والسَّوْق إلى أبي العَلَاء أحْمَد بن عَبْد الله بن سُليمان التَّنُوخِيّ، أَسْعَده الله، يَحْدُو رِكَابي، والحَنِيْن إلى لقائهِ يَحُثُّ أصْحَابي، وبلغْتُ المَعَرَّة ضُحيَّة فلَم أُطِق صَبْرًا حتَّى دَخَلتُ إلى الشَّيْخ أبي العَلَاء أَسْعَدَهُ الله، فشَاهَدْتُ منه بَحْرًا لا يُدْرك غَوره، وقَلِيبَ ماءٍ لا يُدْركُ قَعْره، فأمَّا اللُّغَةُ

<<  <  ج: ص:  >  >>