للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

وأخْبَرَنا أبو القَاسِم بن رَوَاحة، عن أبي طَاهِر السِّلَفِيّ، قال: قال لي الرَّئِيسُ أبو المَكَارِم - يعني عَبْد الوَارِث بن مُحَمَّد بن عَبْد المُنْعِم الأبْهَرِيّ، وكان من أفْرادِ الزَّمان ثِقَةً، مَالِكيّ المَذْهَب -: لمَّا تُوفِّي أبو العَلَاء اجتَمع على قَبْره ثمانون شَاعِرًا، وخُتِمَ في أسْبُوع واحدٍ عند القَبْر مائتا خَتْمَة، وهذا ما لَمْ يُشَارَك فيهِ. وكانت الفَتَاوَى في بَيْتهم على مَذْهَبِ الشَّافِعيّ من أكثَر من مائتي سَنَةٍ بالمَعَرَّةَ.

قُلتُ: ولم يُنْقل أنَّ أبا العَلَاء كان مُبْتَدِعًا، لكن نَسَبُوه إلى ما هو أعْظَم من ذلك.

وقَرأتُ في تاريخ غَرْس النِّعْمَة ابن الصَّابِئ (١): أبو العَلَاء أحْمَد بهب عبد اللّه بن سُلَيمان التَّنُوخِيّ المَعَرِّيّ الشَّاعر، الأدِيب الضَّرِير، وكان له شِعْرٌ كَثِيْرُ، وفيه أدَبٌ غَزِيرٌ، ويُرمَى بالإلْحَادِ، وأشْعَارُه دَالَّةٌ على ما يُزَن بهِ من ذاكَ. ولم يكُ يَأكُل لُحُومَ الحَيَوَان ولا البَيْض، ولا اللَّبَن، ويَقْتَصر على ما تُنْبتُه الأرْضُ، ويُحَرِّم ايْلَام الحَيَوَان، ويُظْهرُ الصَّوْم زَمانه جميعَهُ، ونحنُ نَذْكُر طَرفًا ممَّا بَلَغنا من شِعْره ليُعْلَم صِحَّة ما يُحْكى عنه من إلْحَادِهِ، ولهُ كتابٌ سمَّاهُ الفُصُول والغَايَات، عارَض به السُّور والآيات، لم يقَع إلينا منهُ شيء فنُورده.

وذكَر أشْعَارًا نسبَها إليه، فمنها ما هو من شِعْره في لُزُوم ما لا يَلْزَم وفي اسْتَغْفر واسْتَغْفري، قد أجابَ عنها في كتابه المَعْرُوف بزَجْر النَّابِح والكتاب المَعْرُوف بنَجْر الزَّجْرِ، وإذا تأمَّلها المُنْصِفُ حقَّ التَّأمُّل، لم يَجِد فيها ما يُوْجِب القَدْح في دِيْنهِ، ومنها ما وُضع على لسَانه، وتَعَمَّلَ تَلَامذتُه المُنْحَرِفُونَ وغيرهم من الحَسَدَة نَظْمَها على لِسَانهِ وضَمَّنُوها أقاويل الزَّنَادقة، وفيها من رَكَاكةِ اللَّفْظ والعُدُول عن الفَصَاحَة الّتي هي ظَاهِرة في شِعْره ما يُوجِب نَفْيها عنه وبُعْدها


(١) تقدم التعريف بتاريخ غرس النعمة فيما تقدم من هذا الجزء.

<<  <  ج: ص:  >  >>