للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

ماتَ اللَّيْلة، فعادَ فوجَدَ الأمْرَ كما ذَكَر، وذاكَ أنَّه سَقَطَ بيت كان به، وتقصَّفَت الأخْشَاب فمات، هذا معنى ما ذكَرَهُ لي أو قَريبٌ منه.

وقَرأتُ بخَطِّ الشَّريف إِدْرِيس بن الحَسَن بن عليّ بن عِيسَى بن عليّ الإِدْرِيسِيّ الحَسَنيّ، قال: أخْبَرَني الشَّريفُ النَّقِيْبُ نِظَام الدِّين أبو العبَّاس بنُ أبي الجِنّ الحُسَيْنيّ، قال: حَدَّثَني ابنُ أُخْت أمِيْن الدَّولَة الشَّريفُ القَاضِي الأفْطَسِيُّ، قال: كان الشَّريفُ أبو إبْراهيم مُحَمَّد يحضُر مَجْلِسَ مُعِزّ الدَّولَة ثِمَال بن صالح بن مِرْدَاس الكِلابِيّ صَاحب حَلَب، ويَحْضُره المِحْبَرَة العبَّاسيُّ من وَلد إسْمَاعِيْل بن صالح، وكُلّ واحدٍ منهما فَقِيْه نَبِيْل في المَذْهَب الّذي عُرِفَ به، وكان المِحْبَرَةُ يدُقُّ على أبي العَلَاء بن سُلَيمان، ويُكفِّرهُ، ويَحُضُّ مُعِزّ الدَّولَةِ على قَتْله، فكان مُعِزّ الدَّولَةِ يَسْتَطلِع رأيَ الشَّريف أبي إبْراهيم فيه، فيقول فيه بخِلَاف ما يَقُول المِحْبَرَة، ويُقَرِّظُه عندَ مُعِزّ الدَّولَةِ، ويُرغِّبُه في إبقائهِ، ويُنْشدُهُ من أشْعَارِه الّتي لا يُلمّ فيها بأمر مُنْكَرٍ.

فجَمَع المِحْبَرَةُ جَمَاعَةً من الفُقَهَاءِ وغيرهم من أهل السُّنَّة، وصَعدَ إلى مُعِزّ الدَّولَة، وألْجَأَهُ إلى أنْ يَبْعَث إليه فيُحْضره إلى حَلَب، ويُعْقَدُ له مَجْلِسٌ يُخاطَبُ فيه على ما شَاع له من الشِّعْر والتَّصَانِيْف الّتي صَنَّفها، فندبَ لإحْضَاره رَسُولًا من خاصَّتِهِ، فيُقال: إنَّ أبا العَلَاء بن سُلَيمان صَعِدَ في اللَّيْلة الّتي ورَدَ فيها الرَّسُول لإحْضَارِهِ، وبَسَطَ مِنْدِيلًا عليه رَمادٌ، فوَضَعَ عليه خَدَّهُ، ودعَا اللهَ عزَّ وجلَّ بدُعَاءِ الفَرَج طُول لَيْلَتهِ، فلم يَنْزل إلَّا ورَسُولٌ ثان من مُعِزّ الدَّولَة يقول للأوَّل: لا تُزْعِج الرَّجُلَ واتْرُكْهُ، فعادَ، فاتَّفَق في تلك اللَّيْلة أنْ سقَط المِحْبَرَة من سُطُوح دَاره فمات.

وغَبَر على ذلك مُدَّةٌ طَوِيلَةٌ، وأبو إبْراهيم مُحَمَّد يَنْتَظر الثَّوَابَ من أبي العَلَاء على ما كانَ منه إليه، وكان أبو العَلَاء لا يمدَحُ أحدًا تَرَفُّعًا، وضنًّا بنَفْسِهِ

<<  <  ج: ص:  >  >>