للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

رأيتُ أعْمَى شَاعِرًا طَرِيفًا (a) يلْعب بالشِّطْرَنْج والنَّرْد، ويَدْخُل في كُلِّ فَنٍّ من الجدِّ والهَزْل، يُكْنَى أبا العَلَاء. وسَمِعْتُه يقول: أنا أحْمَد الله على العَمَى كما يَحْمدُه غيري على البَصَر، فقد صنعَ لي وأحسَن بي إذ كفاني رُؤيةَ الثُّقَلَاء والبُغَضَاء.

قال: وحَضَرتُه يَوْمًا وهو يُمْلي في جَواب كتابٍ ورَدَ من بعض الرُّؤَسَاءِ إليه (١): [من الكامل]

وافَى الكتابُ فأوْجَبَ الشُّكْرا … فضمَمْتُه ولثَمْتُهُ عَشْرا

وفَضِضْتُهُ وقَرأتُهُ فإذا … أحْلَى (b) كتابٍ في الوَرَى يُقْرَا

فمَحَاهُ دَمْعِي من تحدُّرِه … شَوْقًا إليكَ فلَم يَدَعْ سَطْرَا

فتحفَّظْتُها واسْتَعْملتُها في مُكَاتَبات الإخْوَان.

قُلتُ: وهذا الّذي حَكاهُ الدُّلَفيّ لم أسمَعْهُ في كتاب غير تَتِمَّة اليَتِيْمَة، ولم يَنْقل أحدٌ من المَعَرِّيّين وغيرهم عن أبي العَلَاء اشْتِغَالا بشِطْرَنْج أو نَرْد، أو دُخُولًا في فَنٍّ من فُنُون الهَزْل، ولم تَزَل أوْقَاته منذ نَشأ مَصْروفة إلى الاشْتِغَال بالعِلْم، كيف وهو أنَّ مَنْصِبَ أبيهِ ومَنْصِبَ أخيه لا يقتَضي تَمْكينه من شيء من ذلك، فقد كانا من العُلَمَاء الفُضَلَاء، وكان أبو العَلَاء يَزِيدُ عليهما.

أخْبَرَنا أبو الحَجَّاج يُوسُف بن خَلِيل بن عبد الله، قال: أخْبَرَنا أبو جَعْفَر مُحَمَّد بن إسْمَاعِيْل الطَّرَسُوسِيّ، قال: أخْبَرَنا أبَو الفَضْل مُحَمَّد بنُ طَاهِر المَقْدِسِيّ إجَازَةً - قُلتُ: ونَقَلْتُه أنا من خَطِّ المَقْدِسِيّ - قال: سَمِعْتُ الرَّئِيس أبا نَصْر أحْمَد بن أحْمَد بن عُبْدُوْس الوَفْرَاوَنْدِيّ بها، يقُول: سألتُ شَيْخ الإسْلَام أبا الحَسَنِ عليّ بن أحْمَد بن يُوسُف الهَكَّارِيّ عن أبي العَلَاء المَعَرِّيّ - وكان قد رَآهُ - فقال: رجُلٌ من المُسْلمِيْن.


(a) تتمة اليتيمة والإنصاف والتحري: ظريفًا.
(b) ياقوت: أجلى.

<<  <  ج: ص:  >  >>