للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

أثَر غَيْظٍ، فقال: لا يا أبا الفَتْح، بل أنشَدْتُ شَيئًا من كَلَا م المَخْلُوق، وتَلَوْتُ شَيئًا من كَلام الخاَلِق، فلَحقَني ما تَرى، فتحقَّقْتُ صِحَّةَ دينِهِ، وقوَّة يَقِيْنه.

أخْبَرَنا أبو القَاسِم الأنْصَاريّ، عن الحافِظ أبي طَاهِر السِّلَفِيّ، وأنْبَأنَا أبو القَاسِم اللَّخَمِيّ، قال: وسَمِعْتُ أبا طَاهِر أحْمَد بن مُحَمَّد يقول: وقد كان شَيْخَانا أبو زَكَرِيَّاء التَّبرْيِزيّ ببَغْدَاد، وأبو المَكَارِم الأبْهَرِيّ بأَبْهَر، وهما همُا، ولا يَخْفَى من العِلْم مَحلُّهُما، يُبَالغانِ في الثَّنَاء عليه، ويَصِفانه بالزُّهْدِ والدِّين القَوِيّ، والعَقِيْدَة الصَّحيحة القَوِيَّة، والخَوْف من اللّهِ تعالَى، وأَنًّ كُلّ ما يُذْكَرُ من شِعْره إنَّما كان يَذْكرهُ على ما جَرَتْ به عادَةُ أهلِ الأدَب، كما فعَلَهُ أبو الحُسَين بن فارس في فُتْيَا فَقِيْه العَرَب، وقَبْله أبو بَكْر بن دُرَيْد في المَلَاحنِ، وعُدَّ ذلك منهما في جُمْلَةِ المَنَاقِبِ والمَحَاسِن، وهذان الإمَامانِ فمن أجلَّاءَ مَنْ رأيتُهُ من أهل الأدَب، والمتُبَحِّرين في عُلُوم العَرَب، وإلى أبي العَلَاء انْتماؤُهما، وفي العَرَبِيِةِ اعْتِزَاؤُهما، وقد أقاما عندَهُ بُرْهَةً من الدَّهْر للقِرَاءة والأخْذ عنهُ والاسْتِفَادَة.

أخْبَرَنا القَاضِي أبو المَعَالِي أحْمَدُ بن مُدْرِك بن سَعيد بن سُلَيمان قاضي مَعَرَّة النُّعْمَان، قال: بلَغَني من شُيُوخِ المَعَرَّة أنَّ جَمَاعَةً من أهل حَلَب خرجُوا إلى نَاحِيَةِ المَعَرَّة، فقالُوا: نُريد أنْ نجتَمع بالشَّيْخ أبي العَلَاء، فقال واحدُ منهم يُقال لهُ ابن الطَّرَسُوسِيِّ: أيّ حاجةٍ بنا أنْ نمْضِيَ إلى ذلك الأعْمَى الأصْطِيْل؟ فقالوا: لا بُدَّ لنا من المُضِي إليه، فَمضَوا حتَّى وصلُوا إلى بابهِ، ودَقُّوا الباب، واسْتَأذَنُوا عليه، فقال: يُؤْذَن للجَمَاعَةِ كُلّهم ما خَلا فُلَان؛ فلا حاجَهً له إلى أنْ يَجْتَمعَ بالأعْمَى الأصْطِيل، فدَخَلُوا وسَألُوه الإذنَ له، فأذِنَ له، وعجَبُوا من ذلك.

قَرأتُ بخَطِّ أبي الفَرَج مُحَمَّد بن أحْمَد بن الحَسَن الكَاتِب الوَزِير في رُوزِنَامج أنْشَأهُ لولده الحَسَن يَذْكر فيه رِحْلَتَهُ إلى الحَجِّ من أَذْرَبِيْجَان، وعُبُوره بحَلَب ومَعَرَّة النُّعْمَان في سَنَة ثمانٍ وعشرين وأرْبَعِمائة، وكان رَجُلًا جَلِيْلًا فَاضِلًا، وَسَنَذْكُر

<<  <  ج: ص:  >  >>