للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

تَرْجَمَتهُ في مَوضِعها إنْ شاءَ اللهُ (١)، ذِكْر مَعَرَّة النُّعْمَان، ثمّ قال: وحَسَنَتُها وغُرَّتُها ودِيْبَاجَتُها وعَالِمُها ورَاويتُها وعَلَّامتُها ونَسَّابَتُها الشَّيْخُ الجلَيْل العالَم أبو العَلَاء أحْمَد بن عبد الله بن سُلَيمان المَعْرُوف برَهْن المَحْبَسَين، وهو العَالَمِ المَقْصُودُ، والبَحْر من الأدَب المَوْرُود، والإمَام المَوْجود، والأدِيْبُ الّذي يشْهَدُ بفَضْله الحَسُودُ، والزَّاهِدُ الّذي لو أَحَلَّ الدِّينُ السُّجُودَ لوجبَ له السُّجُود، والفَاضِل الّذي تُنْضَى إليه الرَّكاَئب، وتُرْكب إلى الاقْتِباسِ منْهُ الطَّريق المُوَعَّرُ واللَّاحب، ويُهْجَرُ لمُوَاصَلَتِهِ المُنَاسبُ والمُصَاحِبُ، وتُطوَى إليه البِلاد، ويُخالَفُ للاكْتحال به الرُّقاد ويُحَالف السُّهَاد، ليُؤْخَذَ منهُ العِلْمُ المَحْضُ والسَّدَاد، ويُسْتَفاد من مُجَالسَته العِلْمُ المَطْلُوب والرَّشَادُ، يفقَدُ لديهِ الزَّيْغُ والإلْحَاد، والفُضُول في الدِّين والعِنَاد.

الفَهْمُ مِلْءُ إهَابِه، والفَضْلُ حَشْوُ ثيابِه، شَخْصُ الأدَبِ مَاثِلًا، ولِسَان البَلَاغَةِ قَائلًا، جَمَال الأيَّام، وزِيْنَةُ خَوَاصِّ الأنامِ، وفارس الكَلَام، والمُقَدَّم في النِّثَارِ والنِّظَام.

قد لَزِمَ بيتَهُ فما يُرَى مُتَبَرزًا، وألفَ دارَهُ وأصْبَحَ فيها مُعْتَمدًا مُتَعزِّزًا، لا يُؤْنسهُ عن الوَحْشَة إلَّا الدَّفَاتِر، ولا يصْحَبُه في الوَحْدَة إلَّا المَحَابِر، قد اقْتَصَر من دُنْياهُ على الزَّاويَة، وأَنِسَ بالاعْتِزَال والعَافِيَة، وقَصَرَ هِمَّتَهُ على أدَبِ يُفِيْدُهُ، وتَصْنِيف يُجِيْدُهُ، وقَرِيْض يَنْظمُه، ونَثْر يَنْثرُه فيُحْكمه، ومُتَعَلِّم يَفضلُ عليه، ومُسْتَرْفد صُعْلُوك يُحْسِنُ إليه، فهو عَذْبُ المَشْرَبِ، عَفُّ المطْلَب، نقِيَّ السَّاحَةِ من المآثم، بَرِيء الذّمَّة من الجَرَائمِ، يَرْجعُ إلى نفسٍ أمَّارة بالخيرِ، بعيدَة من الشَّرِّ، قد كُفَّ عنِ زُخْرِف الدُّنْيا ونضْرتها، وغُضَّ طَرْفُه عن مَتَاعها وزَهْرَتها، ونقى جَيْبَهُ، فَأمن النَّاسُ عَيْبَه، قد اسْتَوَى في النَّزَاهَة نَهَارُهُ وليلُه، فلم يتدَنَّسْ بفَاحِشَةٍ قَطَّ ذَيْلُه،


(١) ترجمته في تراجم المحمدين، في الكتاب من الكتاب، وتقدم التعريف برحلة أبي الفرج الكاتب في الجزء الأول، وانظر بعض النقول عنها في الإنصاف والتحري لابن العديم (ضمن إعلام النبلاء) ٤: ١٤٤.

<<  <  ج: ص:  >  >>