للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

الله، هذا ما عَلَّقْتُه عن هذا الشَّيْخ المَذْكُور، في زَوْرَةٍ كانتْ أقْصَرَ من إبْهَام الضَّبِّ، وعتَاب الصَّبِّ، وحُسْوَة الطَّائرِ، وهجْعَة السَّائرِ، وسَالفَة الذُّبَاب، ودَوْلة الخضَاب، ثمّ عَرَضْتُ عليه ما أَسْأَرتْهُ النَّوَائِبُ من حالي، وتخَطَّتْهُ الحَوَادِثُ من نفَقَتي ومالي، فأبَى عن القَبُول وامْتَنع، وتَلَكَّأ عليَّ ودَفَع، فلمَّا عَرَفْتُ مَذْهَبَهُ، وظَلَفَ نَفْسهِ، جئْتُه من البابِ الّذي اقْتَرَنَ بمُرَادِهِ وأُنْسهِ.

قَرأتُ بخَطِّ الحافِظ أبي طَاهِر السِّلَفِيّ، في رِسَالَةٍ كَتَبَها الكِيَا أبو الفَتْح الحَسَن بن عبد الله بن صالح الأصْبَهَانِيّ إلى أبي المُظَفَّر اللَّيْثِيّ الأذْرِيّ، وقد سَأله عن حاله في سَفْرَةٍ سَافرَها إلى الشَّام وغيرها، قال فيها: وهل أدرك أبا العَلَاء المَعَرِّيّ المَحْجُوب، حَجَبَ اللهُ عنه السُّوءَ، وهو أديْبُهم الرَّاجِحِ، وعَالِمُهم الفَاضِل، وشَاعِرُهم البارعُ، وعَهْدي به راجعًا من بَغْدَاد، ولم يصحّ بجانبي ليله النَّهَار، ولم يقَع على شَبابهِ لوقائع الدَّهْر غُبَار، وهو يقول ما شاهدْت بالعِرَاق مَنْ احْتَجتُ إلى عِلْمهِ، ووجبت (a) عليّ رحلَة للاقْتباسِ من أجْله، فرأيتُ العَوْدَ إلى وَطَني أرْبَحَ، والمقام بين أهْلي وعَشائري أرْوَح، ولقد رأيتُهُ مِعَنًّا مِفَنًّا، يَتَنفَّس في كُل جَوّ، ويَقْتَبس من كُل ضَوّ، فتَذَكَّرتُ قَوْل عبد الله بن العَبَّاس (١): [من البسيط]

إنْ يَسْلُب اللهُ مِنْ عَيْنيَّ نورَهمُا … ففي لِسَانِي وقَلْبي منهما نُورُ

قلبي ذَكيٌّ ورَأيِي حَازم يَقُط … وفي فمي صَارِمٌ كالسَّيْفِ مأثُورُ

وقَرأتُ بخَطِّ السِّلَفيّ، في رسالةٍ كتَبَها إلى الدِّهْخُذا أبي الفَرَج مُحَمَّد بن


(a) مهملة الأول والثاني في الأصل، والإعجام على التقريب.

<<  <  ج: ص:  >  >>