للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

أَدْخِلْ عليَّ صَاحِبَ الرُّقْعَة، فخرجتُ فلم أجدْهُ، فطلبتُه فم أظْفَر بهِ، فأَخْبَرْتُ الوَزِيرَ أنِّي لم أجدْهُ، فدَفعَ إليَّ الرُّقْعَةَ، فإذا فيها: رَأيْتُ النَّبِيّ صَلَّى اللَّهُ عليه وسلَّم في المَنَامِ، وقال لي: اذهَبْ إلى الحَسَن، وقُلْ له: أينَ تَذْهَب إلى مَكَّة، حَجُّكَ هَا هُنا، أمَا قُلْتُ لكَ أَقِم بين يَدَي هذا التُّرْكِيّ وأَغِثْ أصْحَابَ الحَوَائِج من أُمَّتِي؟ فرجَع النِّظَام، وما خَرَج.

قال: وكان يقُول لي الوَزِير مَرَّات: لو رَأيتَ ذلك الفَقِيْر حتَّى نَتَبرَّك بهِ؟ فرَأيتُهُ يَوْمًا على شَطِّ الدِجْلَة وهو يَغْسِل خرَيْقاتٍ له، فقُلتُ لَهُ: إنَّ الصَّاحِب يَطْلبُكَ، فقال: ما لي وللصَّاحِب؟! كانت عندي أمَانَةٌ فأدَّيْتُها.

قال أبو سَعْد: وعبدُ اللَّه السَّاوجِيّ هو: عَبْد اللَّه بن حَسْنُوَيْه بن إسْحَاق السّاوجِيّ من أهْلِ سَاوَة، نَفَقَ سُوْقُهُ على الوَزِير نِظَام المُلْك حتَّى أنْفَقَ عليه وعلى الفُقَرَاء بإشَارته واقْترَاحهِ في مُدَّة يَسِيْرة قَريبًا من ثَمانين ألف دِيْنارٍ حُمْر.

قَرأتُ بخَطِّ أبي غَالِب عَبْد الوَاحِد بن مَسْعُود بن الحُصَيْن (١)، وأنْبَأنَا عنه صَدِيْقُنا ورَفِيْقُنا الحافِظ أبو عَبْد اللَّه مُحَمَّد بن مَحْمُود بن النَّجَّار، قال: وفيهِ -يعني مُحَرَّم سَنَة خَمْسٍ وثمانين وأرْبَعِمائة- مَرِضَ نِظَامُ المُلْك، فلَم يُدَاوِ نَفْسَهُ بغَيْرِ الصَّدَقَة، فعُوْفي.

أخْبَرَنا أبو هاشِم بن الفَضْل العبَّاسيّ، قال: أخْبَرَنا أبو سَعْد عَبْد الكَريم بن مُحَمَّد السَّمْعَانيّ، قال: وأمَّا مَيْلُه -يعني نِظَام المُلْك- إلى أهْل العِلْم، ورَغْبته في أُولي الفَضْل فهو أنَّهُ لا يَخْلُو مَجْلسه عنهم في أيّ قُطْر كان، وكان بابُهُ مَجْمَع الأفَاضِل من الفُقَهَاء للمُنَاظَرة بينَ يَدَيْهِ، والشُّعَراءِ والمُتَرسِّلين؛ يَعْرضُونَ بضَائعَهُم عليه، فيُقَابل كُلّ أحدٍ بما يَلِيْقُ به من خلْعَةٍ أو صِلَةٍ، أو إدْرَار على قَدْر حَالهِ.


(١) النقل عن تاريخ ابن الحصين الشيباني، مضى التعريف به في الجزء الثالث.

<<  <  ج: ص:  >  >>