للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

قال: سَمِعْتُ أبا مُحَمَّد عَبْد اللَّه بن مُحَمَّد بن حَمَّاد الطَّحَّان بقَاسَان (١)، يَقُول: سَمِعْتُ عَبْد اللَّه بن هَارُون البَزَّاز يقُول: كان نِظَام المُلْك في مَجْلِس الشَّيْخ أبي عليّ الفَارَمَذِيّ، فبَكَى حتَّى ابتَلَّ شابه، فقال له: لا تَبْك كي تَرْشَويّ، يعني: تَصِير ثِيَابُك مَبْلُولة، ثمّ قال بعد سَاعة: لو كانت الدُّنْيا بحَذَافيْرها لإنْسَان وأنْفَقَها في المَصَالِح وسُبلِ الخَيْر لا يَصِل إلى اللَّه بها؛ ثمّ قال بعد سَاعة: يَنْتقل من الدَّسْت إلى مَوضِع الحِسَاب، وقال بالفَارسِيَّة: أرْبيشْكَاه بحِسَاب كاهَتْ خُوَاهَنْد بُرْد.

وقال أبو سَعْد السَّمْعَانيّ: سَمِعْتُ أبا البَرَكَات إسْمَاعِيْلَ بن أبي سَعْد الصُّوْفيّ ببَغْدَادَ مُذَاكَرَةً يقُول: سَمِعْتُ مُحَمَّد الأصْبَهَانِيّ، وكان مُخْتصًّا بنِظَام المُلْكِ، قال: كان النِّظَام إذا دَخَل عليهِ الأُسْتَاذ أبو القَاسِم القُشَيْريُّ والإمَام أبو المَعَالِي الجُوَيْنِيّ يقُومُ لهما ويَجْلِس في مَسْنَده كما هو، وإذا دَخَل عليهِ أبو عليّ الفَارَمَذِيّ يقُومُ إليهِ ويُجْلِسُه في مكانِهِ، ويَجْلسُ بينَ يَدَيْهِ، فقال لي أبو المَعَالِي الجُوَيْنِيّ يَوْمًا: قُلْ للصَّدْر عنِّي: يَدْخُل عليكَ الأُسْتَاذ أبو القَاسِم وهو إمامٌ في كَذَا وكَذَا عِلْم، لا تُكْرمهُ هذا الإكْرَام الّذي تُكْرِم به هذا الشَّيْخ؛ يعني: أبا عليّ الفَارَمَذِيّ؟! قال مُحَمَّد الأصْبَهَانِيّ: وفي ضَمْن هذا الكَلَام تَعْريض بنَفْسه أيضًا، فاغْتَنَمْتُ خَلْوةً من النِّظَام وقُلتُ: يا مَوْلَانا، إمَام الحَرَمَيْن قال لي كَذَا على كذَا، وحَكَيْتُ له ما قال ليّ، فقال النِّظَام: هو وأبو القَاسِم القُشَيْريّ وأمْثَالهما إذا دَخَلُوا عليَّ يقُولُون لي: أنتَ كَذَا وأنْتَ كَذا، ويُثْنُون عليَّ، ويُطْرُونَني بما ليسَ فيَّ، فيُزِيْدُني كَلَامهم عجبًا وتِيْهًا في نَفْسِي، وإذا دَخَل عليَّ هذا الشَّيْخ -يعني أبا عليّ الفَارَمَذِيّ- يَذْكُر لي عُيُوبَ نَفْسِي وما أنا فيه من الظُّلْم، فتَنْكَسر نَفْسِي وأرْجع عن كَثِيْر ممَّا أنا فيه؛ ذكر لي هذا أو مَعْناه؛ فإنِّي كَتَبْتُهُ من حِفْظي.


(١) قاسان بالمهملة: من مدن ما وراء النهر، وهي غير قاشان التي قرب أصبهان. معجم البلدان ٤: ٢٩٥ - ٢٩٦.

<<  <  ج: ص:  >  >>