للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

وقال السَّمْعَانيُّ: قَرَأتُ في بعض مُسْوَّدَاتِ وَالدِي رَحِمَهُ اللَّهُ بالرَّيّ بخَطِّه: سَمِعْتُ الفَقِيهَ الأجَلَّ أبا القَاسِم عَبْد اللَّه بن عليّ بن إسْحَاق يَقُول: سَمِعْتُ الصَّاحِب نِظَام المُلْك يُوْصي ابنِ ويقُول: إنَّك شَرَعْتَ في أمْرٍ -يَعْني الفِقْه- فلا تَقْنَع فيه بالاسْم، وإذا تَنَاهَيْتَ فيه، فلا تُغَرِّر بنَفْسكَ، وأيْقِن أنَّ ما لا تَعْلَم أكْثَر ممَّا تَعْلَم.

ثمّ حَكَى الصَّاحِبُ أنَّ الإمَام أبا حَامِد الغَزَّاليّ (a) الصُّوْفيّ كان رَحَلَ إلى أبي نَصْر الإسْمَاعِيْليِّ بجُرْجَان، وعَلَّق عنه، ثمّ رجَعَ إلى طُوْس، فقُطِع عليه الطَّريقُ، وأُخِذ تَعْلِقُه، فقال لمُقَدَّم قُطَّاعِ الطَّريق: ردُّوا عليَّ تَعْلِيْقَتِيّ، فقال: وما التَّعْلِيقَة؟ قال: مِخْلَاةٌ فيها كُتُب عِلْميّ، وقصَصْتُ عليه قِصَّتي، فقال لي: كيف تعلَّمْتَ وأنْتَ تأخُذ (b) هذه المِخْلَاة تتجرَّد عن عِلْمكَ، وبقيْتَ بلا عِلْم! ورَدَّهَا عليَّ. فقُلتُ: هذا مُسْتَنْطَقٌ أنْطَقَهُ اللَّهُ ليُرْشِدَني لأمْريّ، قال: فدَخَلْتُ طُوْسَ، وأَقْبَلْتُ على أمْري ثلاث سِنِيْن حتَّى تحَفَّظْتُ جميعَ ما علَّقت، فصِرْتُ بحِثُ لو قُطِعَ الطَّريق لا أُحْرَم عِلْمِي.

قال أبو سَعْد: قَرَأتُ في كتَاب سِرّ السُّرُور (١) لصَدِيْقنا القَاضِي أبي العَلَاءِ مُحَمَّد بن مَحْمُود الغَزْنَوِيّ أنَّ نِظَامَ الملك كان في بَعْضِ أَسْفَاره إذ صَادَفَ رَاجِلًا في زيِّ العُلَمَاءِ قد مَسَّهُ الكَلَالُ، وأضْجَرَهُ التَّعَب، فقال له نِظَام المُلْك: أيُّها الشَّيْخُ، أَعَيِيْتَ أم أُعْيَيْتَ؟ فقال الرَّجُلُ: أَعْيَيْتُ يا مَوْلَانا، فتقدَّم إلى حَاجِبِه ليُقَرِّبَ إليهِ


(a) هكذا جوَّده في الأصل، وهو وجه من وجوه ضبطه نسبة إلى عمل الغزل، كالقصَّار والزجَّاج ونحوه، ومن قال تخفيف الزاي فنسبة إلى غزالة، قرية من قرى طوس.
(b) هكذا في الأصل، ولعل الأظهر: كيف تعلمت وأنت إنْ تؤخذ. . .

<<  <  ج: ص:  >  >>