للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

له ولأمته بالمجمل والعموم، لجاز تأخيرُ البلاغ، ولَمَّا لم يجزْ تأخيرُ البلاغِ، لم يجزْ له تأخيرُ البيانِ؛ لأنَّ كُلَّ واحد منهما إعلامٌ له وإشعارٌ بما شَرعَ اللهُ سبحانه، فإذا لم يُؤَخَرْ أحدَ الإعلامين والإشعارين، كذلك لا يُؤَخِّرُ الآخرَ.

فيقال: ومَن الذي يمنعُ تأخيرَ البلاغِ إذا كانَ بأمرٍ مِن اللهِ، وتشريعٍ منه؛ فليسِ ذلك بمحال، ولا مَنْفِي (١) عنه، بل جائزٌ عليه سبحانه أن يؤخِّرَ البيان عن المجملِ، كما يؤخِّرُ الإقدارَعن المكَلَّفِ على ما كَلَّفَهُ.

على أن تأخيرَ أصلِ البلاغ إخلالٌ بما يفيد، ويقع به عملٌ يقابَلُ المكلفُ على مثلِه بالثواب، ويُحقِّقُ (٢) به نوعاً من أسبابِ الإثابةِ والأجرِ، وهو توطينُ النفسَ على امتثالِ المأمورِ به إذا فسَّره، فإذا قال: {وَآتُوا حَقَّهُ} [الأنعَام: ١٤١]، فسمعَ ذلك بعدَ تبليغِ النبي - صلى الله عليه وسلم - اعتقدَ وجوبَ حقٍّ، ووطَّن نفسَهُ على إخراجه من مالِه مراغمة للنفس، وإن كَثُرَ مقدارهُ، وثَقُلَ على النفسِ إخراجُه، وصار متوقِّعاً لتفسيَرِ المقدارِ، فيَحْصلُ له بالاعتقادِ، وتوطينِ النفس على الأداءِ، -وإنْ بادرَ (٣) الانتظارَ لما يردُ من التفسيرِ- من أعمالَ القلبِ ما يوفي على أَعمالِ (٤) الأركان كلها، وإذا لم يحصلْ أصلُ البلاغِ، تعطلَ المكلَّفُ عن هذهِ الأمورِ التي مدار التكليف عليها، وهي أعمال القلب، فأين تأخير البلاغ من تأخير البيان؟

على أنَّ الله سبحانَه لو ذكرَ حكماً، لم يجزْ للنبي - صلى الله عليه وسلم - كَتْمُه إذا كان تكليفاً لأمته العملَ به، أو الاعتقادَ له، وإنْ جَازَ أن يتأخَّر


(١) في الأصل: "نفي".
(٢) في الأصل: "ويعتنق".
(٣) في الأصل: "بدر".
(٤) في الأصل: "الأعمال".

<<  <  ج: ص:  >  >>