للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

فكان تكليفُه - صلى الله عليه وسلم - أن يُبَلِّغَ ما أنزِلَ، وتأخيرُ البيان عنه لا يُنْقِصُه من رتبةِ البلاغِ شيئاً، ولا يُوجِبُ عليه مَعْتبة، ولا إثما، ولا تقصيراً في البلاغ، والأمةُ عملوا بحسب ما بلَّغ، فتلقَّوا ذلك باعتقادِ وجوب حقٍّ، ووطنوا نفوسَهم على الطاعةِ بإخراجِ ما يفسِّرُه به من مقدارِ ذلك الحقِّ، فما عاد ذلك بتقصيرٍ في بلاغه - صلى الله عليه وسلم - ولا إِخلالٍ [في]، طاعةٍ من جهة الأمَّة، إذ لا تفريطَ من الرسول - صلى الله عليه وسلم -، ولا مِنَ الأمَّةِ في ذلك، وتوقُّعُهم بعد ذلك ما يَرد مِن التفسيرِ أو التخصيصِ، نوعُ تعبُّدٍ آخرُ لا يخلو من فائدة ومثوبةٍ، ولهذا روي عن النبي - صلى الله عليه وسلم - أنَّه قال: "المنتظرُ للصلاة في صلاةٍ" (١)، لأجلِ توقعه الوقتَ الذي يصلي فيه، والتوقعُ نوعُ عملٍ بالقلب، ولهذا قيل لأبي بكر الصديق في صلاة الفجر: كادتْ أن تَطْلُعً الشمسُ، فقال: لو طَلَعَتْ، ما وجدتْنَا غَافلينَ. (٢) يعني أنَّ تطويلَهُ بالقراءة شغلٌ ويقظةٌ، وهذا هو القصدُ.

على أنه إن كان الأمرُ بلفظِ عمومٍ، واختُرِمَ - صلى الله عليه وسلم - قبل بيان تخصيصه، وكان لأمته دليل مستنبطٌ من قياسٍ أو استدلالٍ يَدلُّ على تخصيصِ ذلك العمومِ، فما يتعطَّلُ على قولنا؛ لجوازِ التخصيصِ


(١) الحديث ورد بلفظ: "لا يزال أحدكم في صلاة ما دامت الصلاة تحبسه، لا يمنعه أن ينقلب إلى أهله إلا الصلاة".
أخرجه البخاري (٦٤٧)، ومسلم (٦٤٩)، واللفظ له، من حديث أبي هريرة.
(٢) أخرجه مالك في "الموطأ" ١/ ٨٢ مختصراً، والبيهقي في "السنن الكبرى" ١/ ٣٧٩، وعبد الرزاق في "المصنف" (٢٧١١) و (٢٧١٢)، والطحاوي في "شرح معاني الاَثار" ١/ ١٨١ عن أنس رضي الله عنه.
وله طريق أخرى عند الطحاوي ١/ ١٨٢ عن عبد الله بن الحارث بن جزء الزبيدي.

<<  <  ج: ص:  >  >>