للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

فيقال: نحن لا نوجبُ إلا اتباعَ ما اتفقوا عليه، دون ما اختلفوا فيه، فإنَّ (١) الله سبحانه حينَ حرَّمَ في شريعة عيسى ما كان مباحاً في شريعةِ موسى، وأباحَ ما كان محرماً، صارَ الأولُ منسوخاً، ولسنا نتَّبعُ منسوخاً، فأمَّا أن يكون عيسى أباحَ ما حرَّمه موسى، ثم إنَّ الحكم في شريعة [موسى] باقٍ، فكلاَّ، فلا (٢) خلافَ إلاَّ في منسوخٍ وناسخٍ، والحكمُ عندنا للناسخِ في كل شريعةٍ دونَ المنسوخِ، وعلى هذا فلا يستحيلُ الاتِّباعُ.

ومنها: أن قالوا: إنَّ كل شريعةٍ مضافة إلى نبيِّها، ولو كانت مشتركةً بينه وبين من يأتي بعده، لم يكن أحدُهما أخصَّ بها من الآخر.

فيقال: إنَّما خُصَّ بها من ابتدأ بها، وللابتداءِ (٣) حكم ليس للاتباع، كما تخصُّ المذاهبُ بالمبتدىء، فيقال في كل مذهبٍ سبَقَ إلى اَلقول به: مذهبُ فلان، وإن كان من بعده وافقه في مذهبه لدليله لا تقليداً له، كذلك ها هنا يقال: ملةُ عيسى، وملَّةُ موسى؛ لأجل السَّبق، وإن كان النبي - صلى الله عليه وسلم - الآخر متبعاً لما أوحيَ إليهما به من الأحكام، ويقالُ اليوم: شريعةُ محمد، لأنَّه جاء بنسخِ أشياء من الأحكامِ كانت شرعاً لموسى وعيسى، فإن سمِّيت: شريعةَ موسى وعيسى، فلأجلِ الابتداءِ، وإنْ سمِّيت هذه: شريعةَ محمد - صلى الله عليه وسلم -؛ فلأجلِ أنها ناسخةٌ لكثيرٍ من أحكام الشريعتين قبلَه.


(١) في الأصل "قال".
(٢) في الأصل: "بلا".
(٣) في الأصل: "والابتداء".

<<  <  ج: ص:  >  >>