للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

الثقةُ، فإذا أخبرنا المخبر بعد المخبر، تناشأَ عندنا أمرٌ ينتهي إلى الثقةِ، وسكونِ النفسِ، كما أنَّ العلومَ الاستدلاليةَ نَنْتَهي إليها؛ بمقدمةٍ بعد مقدمةٍ، والترقي في النَّظَرِ درجةٍ بعد درجةٍ إلى أن ننتهيَ إلى سكونِ النفس والثقةِ، كما يحصلُ الحفظُ بتكرارِ المحفوظ على النفس، ولا يزال يعلقُ بالقلبِ أولاً فأوّلاً (١)، إلى أن يترصعَ (٢) في القلب، ويتشكلَ، فيصيرَ بالتكرارِ بمثابةِ (٣ الخَتم، وهو ٣) الرَّسم والفص المنقَوش على المطبوع فيه من طين أو شمع، وبمثابةِ الحلي (٤) المصوغِ بتكريرِ الصائغِ عليه إلى أن يتمكن (٣ مِنْ صَقْلِهِ ٣). وهذه أمور كلها معلومات لمن أَنصف، وكذلك حدوثُ السكرِ عندَ تكرُّرِ الشربِ، فمن كابرَ ذلك، خانَ نفسَه، واتهمها.

وأيضاً: فإنَّ العددَ الكبيرَ كأهلِ بغداد وسمرقندَ، لا يجوزُ أن يتفقوا على محبة الكذب، كما لا يجوز أن يتفقوا على الميلِ إلى الحموضةِ أو الحلاوةِ، لاختلافِ أمزجتهم، كذلك ها هنا لا يتفقون على محبة الكذب؛ لاختلافِ مروءاتِهم ودياناتِهم، وإذا استحال ذلك، ثم اتفقوا على نقلِ خبرٍ على وجهٍ واحدٍ، قطعنا على صدقهم.

فإن قيلَ: فلا نأخذكم إلا من دليلكم، فنقولُ: بهذا استحالَ العلمُ بخبرِ التواترِ، لأنَّ الجمَّ الغفيرَ والعددَ الكثيرَ لا يتفقون (٥) على أمرٍ واحدٍ؛ لاختلافِ آرائهم وأمزجتهم، وإذا كان كذلك، كان محالاً


(١) في الأصل: "فأول".
(٢) أي: يترسخ ويلزق. "اللسان"، و"القاموس": (رصع).
(٣ - ٣) طمس في الأصل.
(٤) في الأصل: "المحل".
(٥) في الأصل: "يتفق".

<<  <  ج: ص:  >  >>