ولأنَّ العددَ الكثيرَ يبعدُ عنهم التواطؤ على الكذبِ، وإذا صارَ عددَ التواترِ، استحالَ؛ كاستحالةِ اجتماعِ أهلِ بغدادَ على حب الحامضِ في حالةٍ واحدةٍ.
ولأنَّه ما زالَ يَتجدَّدُ بقولِ الجماعةِ ما لا يوجدُ بقولِ الواحدِ؛ بدليلِ قولِ الشاهدِ الواحدِ، والمرأةِ الواحدةِ مِع الرجلِ الواحد، وقد عَلَّلَ البارىء بقوله:{أَنْ تَضِلَّ إِحْدَاهُمَا فَتُذَكِّرَ إِحْدَاهُمَا الْأُخْرَى}[البقرة: ٢٨٢]، وهذا يعطي أنَّ الوَحْدةَ يقوى فيها تجويزُ الكذب، والكثرةَ يبعدُ معها الكذبُ، وكذلكَ يبعدُ السَّهْوُ والغلطُ عن الكثرَةِ؛ لتعاضدِهم على المذاكرةِ بالأمرِ المخبَرِ به، فإن نسيَ أحدُهم، ذكره الباقون، وإن نسيَ جماعة منهم، ذكرهم الواحدُ، ولذلكَ صار الإجماعُ قطعياً، وإن كانَ الواحدُ من المجتهدين مُجوَّزاً عليه الخطأ، فيتجدد للإجماعِ أمرٌ لم يكن لآحادِ المجتهدين، وهو القطعُ بصحةِ ما أَفْتَوا به في الحادثة.
وأمَّا قولهم: لو لم يوجب العلمَ، لما أباح قتلَ النفس بإقرارِ الواحدِ، وشهادة الاثنين، فدعوى لا برهانَ عليها؛ إذ قد أباَح القتل باجتهادِ الواحدِ والاثنينِ، إذا لم يكن لنا سواهما من أهل الاجتهاد، نعم، وأباحَ القتلَ مع وجودِ الخلاف، ولم يجعل أحد من الفقهاء اجتماعَهم على إيجابِ القتل أو إباحتهِ شرطاً، بل أجمعوا على أنَّ القتلَ في مسائلِ الاجتهادِ المختلف فيها جائز (١)، فهذا يقتلُ بالقتلِ بالمُثقَّلِ مع خلافِ غيرِه له، وهذا يقتلُ المسلمَ بالكافرِ مع خلافِ