للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

من التكليفِ، إذ لا تتحقَّقُ لنا معرفةُ ذلك، وهذا يبطلُ جميعَ التكاليف، وما أدَى إلى ذلكَ باطلٌ.

على أني أقولُ: من المنكَرِ قولُ القائلِ: إن الله سبحانَه إنما تعبَّدَ العقلاءَ بالقياسِ لاستخراج جواهرِهم، وامتحانِ آرائهم، وما يعتريهم في ذلكَ من كَلِّ (١) القلوبِ بالأفكارِ، وتَهْذيبِها بالبحثِ والتدقيقِ المؤدي بها إلى الاستبصارِ واستثارةِ عِللِ الأحكام، ومقابلةِ أربابها يحزيلِ الثوابِ، وليرفَعَ الله منازلَ العلماءِ، وهل هذا إلاَّ عينُ الحكمةِ في تكليفِهم؟

كما أنه سبحانَه قسَّمَ منافعَهم الدنيوية بين كلياتٍ تولاَّها لاسبيلَ لهم إلى تحصيلِها، ولا التسبُّبِ إلى تأثير ما يحصلُ عندها، كالرياح والسَّحابِ والأمطارِ وخلقِ الحيوان لأنواع الأغراض، فجرت تلك مجرى النّصوصِ التي لاسبيلَ للعبدِ إلى تحصيلِ الأحكامِ الحاصلةِ بها والصَّادرةِ عنها، وبين جزئياتٍ وكَلَها إلى اكتسابِ خلقِه، واستخراجِها بصفاء نحائزهم (٢) وصحَّة قرائحهم، كالحرثِ والحصادِ والدِّياس، وما يحتاجودت إليه من بناء الأكنان والبيوتِ، ونساجةِ الملابسِ وعملِ الأطعمه لتقريبها من التغذيةِ والتناول، وتركيبات الأدويةِ للأمراض، والجُنُن المانعة من الأذايا، كالدروع وما يقي الحرَّ والبرد من الملابسِ، فجمعَ لهم بين النعمتينِ؛ الكبرى التي تولاها، والصُّغرى التي ألهمهم توليها، وهداهم إلى تحصيلِها بما منحهم من صحَّةِ النحائزِ. وأدوات التحصيلِ من جَودةِ القرائح، وهذا


(١) الكَلاَل: الاعياء. "القاموس": (كلل).
(٢) النحيزَةُ: الطبيعة. "القاموس": (نَحَزَ).

<<  <  ج: ص:  >  >>