للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

معرفةَ الحكمِ وثبوتَ المصلحةِ فيه بالقياسِ وطريق الظنِّ، لصحَّ أن نُخْبِرَ عن الغيوبِ، وما يكونُ في المستقبلِ، وأن نُصِيبَ الصِّدقَ فيه بطريقِ القياسِ، ولما لم يجز ذلك، لم يجز استبدالُ علمِ الأحكامِ والمصالح بطريقِ القياسِ.

فيقال لهم: إنّ كلَّ شيءِ جعلَ عليه أمارةً أو دلالةً فليسَ من الغيوب، بل الغيبُ ما لا دليلَ عليه، وَانفردَ الله سبحانه بعلمِه، لأنّه لايقفُ علمُه على دليل، فإذا جعلَ الله سبحانَه الاسمَ والمعنى المُودَعَ في النَّصِ أمارةً على ثبوتِ الحكم، ثبتَ كونُهما دلالةً على الحكمِ، وعلى تعلّقِ المصلحةِ بتحريمِ كلِّ ما له ذلك الاسمُ والمعنى، فكذلكَ إذا جعلَ الله سبحانه لنا أمارةً على إصابةِ الصِّدقِ في جميع ما نخبر به، علمنا عند حصولها كوننا صادقين فيما نخبر به، وإذا تعبَّدنا بأن نخبرَ بذلك، عُلِمَ كونُ الصلحةِ متعلقةً في التعبُّدِ بذلك، فلو أنَّنا قدَّرنا قولَه تعالى لإنسانِ: إذا أظلَّك السَّحابُ، أو كَسَفت الشَّمسُ، فأَخبر عمَّا في بطونِ الحوَاملِ، وعن الغيوبِ المستقبَلة، فإنَّكَ لاتخبرُ إلاَّ بالحقِّ والصِّدقِ، لوجبَ أن نعلم بإظلال السَّحاب وكسوفِ الشَّمسِ حصولَ صدقِ ذلكَ الإنسانِ بجميع ما يخبرُنا به من كونِ ما في بطنِ الحاملِ ذكراً أو أنثى، وقدوم زيدٍ الغائب غُرَّةَ الشهر، ومجئ الغيث يومَ السبت، وموت عمرَ يومَ الأحد، وإذا جازَ أن يُجعَلَ إظلالُ السَّحابِ، وكسوفُ الشّمسِ، أمارةً على إطلاعِه سبحانه لبعض النَّاسِ على الغيوبِ التي لا يعلمها سواه، لم لاجاز أن يُجعَلَ بعض الأمارات لمجتهدٍ علامةً على الوقوفِ على حكمِه سبحانَه في الحادثةِ من تحليلٍ أو تحريم؟

<<  <  ج: ص:  >  >>