للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

إحسانِهِ المُبتدأ بالإحسانِ إليهِ بشكرِهِ، والأصلُ فيهِ مقابلة نفعٍ بنفعٍ وإحسانٍ بإحسانٍ، وهذا لا يقعَ إلاَّ من اثنين، يلحقُ بكلِّ واحدٍ منهما الانتفاعُ، ألا ترى أنَّ كلَّ نفع صدرَ عمّا لا يَنْفعُ (١) لم يَحْسُنْ صرفُ الشكرِ إليهِ؛ كالمطرِ في إنباتِ العشْبِ، والقمرِ في الكشفِ عَنِ الجادة في حقِّ السَّيارةِ، وهبوبِ الريح المُسيِّرةِ للفُلْكِ في البحرِ، يُتلقى منها الانتفاعُ عندَ مَنْ لم يُثبِت ذلكَ بقصدِ قاصدٍ، وهُمْ أهلُ الطبع، أوْ أثبتها بقصدِ قاصدٍ، لكن لم يَجْعَلْ ضياءَ القمرِ، وهطلَ المطرِ، وهبوبَ الريح من جهةِ هذهِ الأشياءِ المنتفعَ بها بل جَعَلَ النَّافعَ بها هوَ الله، فعلى كلا المذهبينِ والاعتقاديْنِ لا يَحسُنُ صرفُ الشُّكرِ إلى واحدٍ منْها فيما صدرَ مِنَ النَّفع، بلْ لا شكر (٢) رأساً مصروفٌ نحوَ واحدٍ منْ هذه المنتفع بها، حيثُ ثبتَ أنها لا تنتفعُ بالشكرِ، ولا أنّها بذلت ذلكَ وقصدتهُ طالبةً لمقابلتِها بالشكرِ، فقبحُ الشكرُ، فالثابتُ بأصلِ الدليلِ العقليِّ أنَّ الله سبحانَهُ لا يلحقُهُ نفعٌ، وأنهُ مفيضٌ للجود، معطٍ أبداً، غير (٣) طالبٍ منْ غيرِهِ شيئاً، فلذلكَ لم يوجب العقلُ، ولم يَتَهدَّ إلى مقابلةِ إنعامهِ (٤) بشيءٍ، بلْ غايةُ ما يوجبه: العلمُ بأنَّ النعمَ منْهُ، وعنْهُ صَدَرَتْ.

وأمّا الوالدانِ، فدلائلُ أحوالِهما بوضعهما على الحاجةِ أنَّهما


(١) في الأصل: "ينتعع".
(٢) في الأصل: "لسكر".
(٣) في الأصل: "عن".
(٤) في الأصل: "العامه".

<<  <  ج: ص:  >  >>