للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

التسويةَ في ذلك على ضَرْبَيْنِ:

أحدِهما أن تكونَ شهادةُ الأولِ شهادةَ الثاني، وذلك أن استحقاق الذَّمَ يشهدُ بالحاجةِ ممنْ فعلَ واستحَقً الذَّمَّ عليه، كما يشهدُ فعلُ الظلمِ بالحاجةِ، فلا يَظلِمُ إلا محتاجٌ إلى الظلمِ.

فأمَّا الضَّرْبُ الثاني: فهو أن يشهدَ الأولُ بأنه إن صحَّ صحَّ الثاني، وبأنه (١) إن بَطَلَ [لثاني] (٢) بطلَ الأولُ، وذلك إن صحَّ أن زيداً كافرٌ، استَحقَّ الذَّمَّ أو فهو مستحِقٌّ للذمِّ، وإن بطَلَ أنه مستحِقٌّ للذَّمِّ، بطَلَ أنه كافرٌ، فشهادةُ الأولِ بصحتِه، وشهادةُ الثاني ببطلانِه، والشهادتان جميعاً صحيحتان، فمن جحدَ إحداهما (٣)، لَزِمَه بالمعارضةِ جَحْدُ الأخرى؛ إذ كانت نظيرتَها في اقتضاءِ العقلِ لها.

ومن المثالِ للبابِ الأولِ: أن النًشْأَةَ الأولى إن كانت من فعلِ الطبيعةِ، فهي تشهدُ بأنه يجوزُ أن تكونَ النَّشأَةُ الثانيةُ من فعلِ الطبيعةِ، فهي تشهدُ بأن النَّشأَةَ الأولى يجوزُ أن تكونَ من فعلِ الطبيعةِ، وكذلك النشأةُ الثانيةُ إن كانت من فعلِ الطبيعةِ، وإذا بَطَلَ أن تكونَ النَشأةُ الأولى من فعلِ الطبيعةِ، بل مِنْ فعلِ مختارٍ، بَطَلَ أن تكونَ الثانيةُ من فعلِ الطبيعةِ، بل فعل ذلك المختار.

وهذا من أوضحْ المعارضاتِ؛ إذِ العقلُ سَوَّى بينهما في ذلك، وقضى أنه إن صحَّ أن يكونَ تدبيرُ العالَمِ يرجعُ إلى الطبيعةِ في


(١) كتبت في الأصل: "بأنه" بدون واو.
(٢) ليست في الأصل، وزدناها لتوضيح المعنى.
(٣) في الأصل: "أحدهما".

<<  <  ج: ص:  >  >>