للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

أحسن أو بَر والديه، أو لأنَه وحد الله وشكر أنْعمه.

وأبداً يوردون على هذا، أنَ صاحبَ الشريعة نفسُ قولهِ حجة، فلذلكَ حَسُن منه ذلك، ونحن لا نُجوِّز أن يُعَلَّل إلا بماله شروط العِللٍ، وهذا ليسَ بصحيحٍ؛ لأن صاحبَ الشريعةِ مع كون قوله حجة، فإنَه إذا أخرجَ الكلامَ مَخرجَ التعليلِ لم يُخرجه إلا بشروطِ التعليل، وكذلكَ لو قالَ في العقلياتِ من العلل: إنما أوجبَ كونَ الجسمِ مُتحركاً قيامُ السوادِ به، لم يجزْ. لِما ثبتَ من أن علّة كونِ المتحرِّكِ مُتحركاً هو الحركةُ، وقيامُ السواد به لا يوجب إلا كونه أسوداً.

وكذلك لو قال: أحسنوا إلى زيدٍ؛ لأنه مُسيء، وعاقبوا عمراً؛ لأنه

محسن. لم يكن هذا تعليلًا صحيحاً، بل لاتجوزُ علةُ ذلك لما فيه

من الاختلالِ والفساد، ولم يصر صحيحاً لأنه ورد من جهةِ الشارع.

وكذلكَ القولُ بأنَ زيداً حيُّ وهو ميت، أو أبيض وهو أسود، لما كان كذباً ممن وجد، ولا يجوزُ ورودُه من صاحب الشرع، كذلك إضافةُ المعلولِ إلى مالا يَليق بأن يكونَ علةً له، بَل علةً لضِده.

فإذا ثَبتت هذه القاعدة عُلم أن كلَ شيءٍ علل به الشرعُ، أو حسنَ أن يُعلّل به، جازَ أن يُعلّق الحكمُ عليه تعليقَ المعلولِ على علتِه.

فصل

وقال قوم من أهلِ الجدلِ والفقهاءِ: لا يجوزُ أن يكونَ الحكُمُ علةً للحكم (١).


(١) والراجح المختار أنه يجوز أن يكون الحكم علَّةُ لحكم آخر.
انظر "التمهيد" ٤/ ٤٤، و"المسوَّدة": ٤١١.

<<  <  ج: ص:  >  >>