للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

فصل

ومن هذا القبيل، وهو ردُّ القياس: أنَّ يقال على القياسِ: إن العِلَّةَ متأخَرَةٌ عن الحُكمِ فلا تكونُ علةً له، وهذا كما قاسَ أصحابُنا وأصحابُ الشافعيِّ الوضوء على التيممِ في إيجابِ النيَّةِ، فقال أصحابُ أبي حنيفةَ: إنَّ فَرْضَ الوضوء تَقَدَّمَ على فَرْضِ التيمُّمِ فكيف تُوجدُ للمتقدمِ في الفَرْضِ حُكْماً وشَرْطاً من المتأخرِ؟ والعِلةُ لا يجوزُ أن تتأخَّر عن معلولها (١).

والجوابُ: أن العِلَلَ الشرعيةَ دلائلُ وأماراتٌ، ويجوزُ أن تَقَعَ الأماراتُ والدلائلُ متقدمةً على مَدْلولِها ومُتأخرةً عنه ومع شروع الحُكْمِ، حتى جازَ ذلك في الدلائلِ القطعيةِ كالمُعجزاتِ؛ فإن بَعْضَها تأخر عن النبوَّةِ، وبَعْضَها قارَنَ، وكل واحدٍ دلالةٌ على نبوَّتهِ - صلى الله عليه وسلم - المُتأخرُ والمُقارِنُ، وكذلك ما ضمَّن الله سبحانَه المُحدثاتِ من دلائلَ دلت على وُجودهِ سبحانه، وهو الأوَّلُ في الحقيقةِ.

فإذا ضَمَن الله سبحانه في التيممِ المتأخرِ دلالةً تدل على وُجوبِ النيةِ في الوضوء، لم يكُ ذلك. خارِجاً عن أسلوب الأدلةِ، وانما يمتنعُ ذلك في العِلَل العقليةِ؛ لأنه لا يُتَصَوَّرُ تحركُ اَلجسْم بحركةٍ يتأخَّرُ وجودُها عن تحركِهِ، وكذلك لا يكون الجِسْمُ أسوَدَ لسوَادٍ يقومُ به في مُستقبلِ الحال متأخراً عن كَوْنِهِ أسوَدَ.


(١) انظر "التمهيد" للكلوذاني ٤/ ١١١ - ١١٢، و"شرح الكوكب المنير" ٤/ ٧٩.

<<  <  ج: ص:  >  >>