للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

وهذا الاستعمال للرأي يكون أحياناً في مقابل الحديث والآثار (١). ويتهم الشيباني أهل المدينة في مسائل كثيرة بمخالفة الآثار بالرأي (٢). من هذه المسائل الأكل أو الشرب في نهار رمضان هل يفسد الصوم، فهو يفسد الصوم عند أهل المدينة، وقد قال أبو حنيفة في ذلك: "لولا ما جاء في هذا من الآثار لأمرت بالقضاء" (٣). كما أن الشيباني يؤكد على لزوم الانتباه إلى الانسجام المنطقي بين المسائل المتعلقة بنفس الموضوع وتقويم المسائل التي تتشابه فيما بينها بنفس الطريقة فيما إذا حكمنا بالرأي، ويستدل على ذلك بالرسالة التي كتبها عمر إلى أبي موسى الأشعري (٤).

لقد قام الشيباني بالتنبيه على بعض الأمور في موضوع العمل بالظن. فهو عندما ينتقد أهل المدينة في إبطالهم لبعض العقود عملاً بسد الذرائع وعملهم بالقسامة يبين أن هذا قول "بالتُّهَم"، وأن اليقين لا يمكن أن يزول بشيء "موضع التهمة"، ويستدل على هذا بقوله تعالى: {إِنَّ الظَّنَّ لَا يُغْنِي مِنَ الْحَقِّ شَيْئًا} (٥). لكننا نرى أن الشيباني يعمل بغالب الظن (أكثر/ أكبر ظنه / رأيه، أكثر/ أكبر الرأي) في مسائل فقهية كثيرة (٦). فمثلاً يفيد الشيباني أنه يعمل "بالظن والحَزْر" في تحديد قيمة الأموال، وأنه لا يمكن غير ذلك (٧). حتى أنه يذكر العمل اعتماداً على "أكبر الرأي والظن" في مسائل بالغة الأهمية مثل مسائل النكاح والقتل (٨). ومسائل كتاب التحري من كتب الأصل مبنية على قاعدة العمل بغالب الظن في المسائل المشتبه فيها (٩). ومع هذا فإنه إذا وجد


(١) انظر مثلاً: الأصل للشيباني، ٥/ ١٥٢ ظ، ١٥٣ ظ، ١٥٥ و، ٨/ ٢٥٣ ظ.
(٢) الحجة للشيباني، ١/ ٣٤، ١٩٤، ٣٩٢، ٢/ ٢٣٦.
(٣) الحجة للشيباني، ١/ ٣٩٢.
(٤) الحجة للشيباني، ٢/ ٥٦٣، ٥٦٨ - ٥٧٠. ٦٢٠، ٣/ ٣٠٧ - ٣٠٨، ٥١٤.
(٥) سورة يونس ١٠/ ٣٦؛ الحجة للشيباني، ٢/ ٥٨٥.
(٦) الأصل للشيباني، ١/ ١٠ ظ، ٤٢ و، ٤٣ ظ، ٩٤ ظ، ١٤٠ ظ، ١٥٨ ظ، ٥/ ٦٩ و، ٨٨ ظ.
(٧) الأصل للشيباني، ١/ ٢١٥ و، ٢١٨ ظ، ٢/ ٢٣٧ و.
(٨) الأصل للشيباني، ١/ ١٧٣ ظ، ٥/ ٨٨ ظ.
(٩) الأصل للشيباني، ١/ ١٥٧ ظ -١٦٣ ظ.

<<  <  ج: ص:  >  >>