للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

[باب مما يسع الرجل في الإكراه ومما لا يسعه]

ولو أن رجلاً أكرهه عدو على أكل ميتة أو لحم خنزير أو شرب خمر فقيل له: لنقتلنك أو لتفعلن ذلك، فأبى (١) أن يفعل وهو يعلم أن ذلك يسعه حتى قتل (٢) كان عندي آثمأ؛ لأن الله تعالى قال: {إِنَّمَا حَرَّمَ عَلَيْكُمُ الْمَيْتَةَ وَالدَّمَ وَلَحْمَ الْخِنْزِيرِ وَمَا أُهِلَّ بِهِ لِغَيْرِ اللَّهِ فَمَنِ اضْطُرَّ غَيْرَ بَاغٍ وَلَا عَادٍ فَلَا إِثْمَ عَلَيْهِ} (٣)، فأكل الميتة ولحم الخنزير في الضرورة كأكل الطعام والشراب في غير الضرورة. ألا ترى أن رجلاً لو جاع جوعاً يخاف منه الموت أو عطش عطشاً يخاف منه الموت وعنده ميتة أو لحم خنزير أو عنده ماء خلط بخمر فلم يأكل ولم يشرب حتى مات وهو يعلم أن ذلك يسعه كان عندنا آثماً. فكذلك الذي قيل له: لنقتلنك أو لتفعلن ذلك؛ لأن كلاهما مضطران، وقد قال الله تعالى: {فَمَنِ اضْطُرَّ غَيْرَ بَاغٍ وَلَا عَادٍ فَلَا إِثْمَ عَلَيْهِ}، فهما مضطران جميعاً وحالهما واحدة.

قال محمد: وقد ذكر جرير بن عبد الحميد عن منصور بن المعتمر عن أبي الضحى عن مسروق قال: من اضطر إلى الميتة وإلى الدم ولحم الخنزير ولم يأكل فمات دخل النار (٤).

وذكر أبو معاوية المكفوف عن الأعمش عن مسلم بن صبيح عن (٥) مسروق قال: من اضطر فلم يأكل ولم يشرب حتى يقتل أو يموت جوعاً أو عطشاً (٦) رجوت أن لا يكون آثماً.

ولو أن رجلاً أكره فقيل له: لنقتلنك أو لتكفرن بالله، فأبى أن يكفر حتى قتل وهو يعلم أن ذلك يسعه لم يكن هذا بإثم عندنا؛ لأن الكفر في هذا الموضع إنما هو رخصة لموضع الإكراه، فإن قبل رخصة الله وسعه ذلك، وإن لم يقبل حتى يقتل فهو أفضل. وكذلك لو أن رجلاً قيل له: لئن صليت لنقتلنك، فخاف ذهاب الوقت فقام فصلى وهو يعلم أن ترك ذلك


(١) ز. فإن أبى.
(٢) ز: حتى قيل.
(٣) سورة البقرة، ٢/ ١٧٣.
(٤) المصنف لعبد الرزاق، ١٠/ ٤١٣.
(٥) ف - صبيح عن.
(٦) ف ز: وعطشا.

<<  <  ج: ص:  >  >>