للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

أمثلة أخرى (١).

[٦ - الشورى]

لم يهتم الأصوليون كثيراً بفكرة استشارة المجتهد لمجتهد آخر. وفي الحقيقة فإنه من المعروف في عهد الصحابة من تطبيقات عمر بن الخطاب - رضي الله عنه - جريان الشورى بين الفقهاء في اجتهاداتهم. وينقل الشيباني عن الخليفة عمر بن عبدالعزيز (ت. ١٠١) أنه يرى أن على القاضي أن يعرف آراء من قبله من العلماء وأن يستشير أهل الرأي (٢). ويرى الشيباني أن على القاضي أن يستشير الفقهاء الآخرين إذا شك في الحكم في مسألة اجتهادية. وهو مخير بعد استشارتهم في العمل بآرائهم أو عدم العمل بها، فيمكنه اختيار وترجيح آرائهم أو رأي واحد منهم، ويمكنه أن يأتي برأي جديد يخالف اراءهم جميعاً. ويقول الشيباني: "فإن أشكل عليه شيء يشاور رهطاً من أهل الفقه. فإن اختلفوا فيه نظر إلى أحسن أقاويلهم وأشبهها بالحق فأخذ به. فإن رأى خلف رأيهم أحسن وأشبه بالحق قضى بذلك. ولا يتعجل بالحكم إذا لم يتبين له الأمر حتى يتفكر فيه ويشاور أهل الفقه" (٣). ومن المحتمل جداً أن يكون الشيباني قد تأثر في هذا الموضوع بمنهج أستاذه الأول أبي حنيفة. فكما هو معلوم فإن أبا حنيفة كان يناقش المسائل الفقهية مع أصحابه وتلاميذه مناقشة طويلة، ويتبادل معهم الرأي والأفكار، وفي النهاية يبين رأيه الشخصي. لقد تكون الفقه الحنفي هكذا بتعاون مجموعة من العلماء يعملون كمجلس للشورى، وانعكست هذه الميزة على الأصل الذي هو المصدر الأساسي لهذا الفقه. إن الآراء المختلفة للأئمة أبي حنيفة وأبي يوسف ومحمد والتي توجد في كل صفحة تقريباً من الأصل تدل بوضوح على البنية الجماعية في تكوين هذا المذهب وكونه قابلاً للاجتهادات المختلفة.


(١) الأصل للشيباني، ١/ ٨٧ و، ١٥٩ و - ١٦٠ ظ، ١٩٣ ظ، ٥/ ١٥٩ ظ، ٢٥٩ و، ٦/ ٢٩ و، ٢٤٧ و، ٧/ ٢٩ و، ١٥٨ و.
(٢) الكافي للحاكم الشهيد، ١/ ٢١٦ و.
(٣) الكافي للحاكم الشهيد، ١/ ٢١٦ ظ. وينقل الطحاوي هذه العبارة بنفس الألفاظ تقريباً. انظر: مختصر الطحاوي، ص ٢٣٧.

<<  <  ج: ص:  >  >>