للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

الأدلة نفسها التي ذكرها الشيباني لإثبات حجية خبر الواحد في الرسالة (١).

كما استدل البخاري في صحيحه على نفس المسألة بدليل مذكور عند الشيباني (٢). والفرق بين الشيباني وغيره هنا هو أن الشيباني استدل بهذه الأدلة على مسألة فقهية، واستدل الشافعي بنفس الأدلة على أصل من أصول الفقه شبيه بتلك المسألة الفقهية. وتصرف الشيباني في هذه المسألة يدل على أن علم أصول الفقه لم ينشأ بعد على وجه الاستقلال، وأن النقاش النظري حول المسائل الأصولية لم ينتشر بعد، وأن المناظرات كانت جارية حول المسائل الفقهية في الأساس.

[د - ترك رأي أبي حنيفة في بعض المواضيع بسبب الحديث]

نرى أن أبا يوسف والشيباني يخالفان أبا حنيفة في بعض المواضيع بالاعتماد على الأحاديث. فقد مرت مخالفتهما له في صلاة الاستسقاء أعلاه. مثال آخر: يخالف أبو يوسف والشيباني أبا حنيفة في اشتراط إذن الإمام لتملك الأرض الميتة عن طريق إحيائها مستدلين بحديث: "مَن أحيا أرضاً ميتة فهي له" (٣)، قائلين: "إذن رسول الله أجوز من إذن الإمام" (٤). مثال آخر: يرى الإمام أبو حنيفة أن العشر يؤخذ من جميع المحاصيل الزراعية سواء قلت أو كثرت، وسواء كان لها ثمرة باقية أم لا، ويعتمد في ذلك على رأي إبراهيم النخعي ومجاهد بن جبر من التابعين (٥)؛ بينما يرى الشيباني أن العشر لا يؤخذ من الخضراوات ولا من المحصول الذي هو أقل من خمسة أوسق مستدلاً بالأحاديث "المعروفة" في ذلك (٦). ومخالفة


(١) الرسالة للشافعي، ص ٤٠٩، ٤٢٦، ٤٢٩، ٤٣٠.
(٢) صحيح البخاري، "أخبار الآحاد"، ١.
(٣) الموطأ، "الأقضية"، ٢٦، سنن أبي داود، "الخراج"، ٣٥ - ٣٧؛ سنن الترمذي، "الأحكام "، ٣٨. وانظر للتفصيل: نصب الراية للزيلعي، ٤/ ٢٨٨ - ٢٩٠؛ الدراية لابن حجر، ٢/ ٢٠١، ٢٤٤.
(٤) الأصل للشيباني، ٥/ ٢٢٩ و - ٢٢٩ ظ.
(٥) المصنف لابن أبي شيبة، ٢/ ٣٧١، ٣٧٢؛ شرح معاني الآثار للطحاوي، ٢/ ٣٧، ٣٨.
(٦) الأصل للشيباني، ٥/ ١٥٨ ظ.

<<  <  ج: ص:  >  >>