للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

فكتاب الأصل هو أوسع كتب ظاهر الرواية وأكثرها فروعاً وأبسطها عبارة. فلذلك كان هو عمدة المذهب الحنفي.

ب - مكانة كتاب الأصل في الفقه الإسلامي عموماً:

إن الإمام أبا حنيفة (ت. ١٥٠) هو في الحقيقة واضع الحجر الأساسي للمذاهب الفقهية الأخرى. فمن حيث الزمن هو أقدمهم، وهو أكبرهم سناً. ومن حيث الفروع الفقهية وتوسيع مسائل الفقه بالقياس، واختراع المسائل الافتراضية وبحث الحلول لها هو المقدم من بين الفقهاء في جميع ذلك. وكتاب الأصل في أساسه مبني على الأسس والقواعد التي وضعها في مدرسته الفقهية بالكوفة. وقد دون أصحابه وتلاميذه أقواله وآراءه في مجلسه أو بعد ذلك مع إضافة أقوالهم في تلك المسائل. ومن أشهرهم ومتقدميهم في ذلك الإمام أبو يوسف. وقد جمع الإمام محمد بن الحسن هذه الأقوال في كتاب الأصل مع إضافة رأيه إلى رأي الإمامين المذكورين.

وقد كان الإمام مالك بن أنس (ت ١٧٩) بالمدينة معاصراً للإمام أبي حنيفة وإن كان أصغر منه سناً. لكن فقه الإمام مالك لم يكن يشبه فقه الإمام أبي حنيفة في وضع المسائل والتفريع لها والإكثار من القياس واختراع المسائل الافتراضية. وقد قال أسد بن الفرات وقد قَدِم على مالك من أفريقية: كان ابن القاسم وغيره من أصحاب مالك يجعلونني أسأله عن المسألة، فإذا أجاب يقولون: قل له: فإن كان كذا؟ فأقول له؛ فضاق علي يوماً، فقال لي: هذه سليسلة بنت سليسلة، إن أردت هذا فعليك بالعراق (١).

وهذا ما صنعه أسد بن الفرات حقاً، فقد رحل إلى العراق وأخذ عن أبي يوسف ومحمد بن الحسن، وغلب عليه علم الرأي، وكَتَبَ عِلْمَ أبي حنيفة، كما يقول الذهبي (٢). ولما رجع من العراق ذهب إلى ابن وهب فقال: هذه كتب أبي حنيفة، وسأله أن يجيب فيها على مذهب مالك، فأبى وتورع؛ فذهب بها إلى ابن القاسم، فأجابه بما حفظ عن مالك وبما يعلم من قواعد


(١) الموافقات، ٤/ ٣١٨.
(٢) سير أعلام النبلاء، ١٠/ ٢٢٥.

<<  <  ج: ص:  >  >>