للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

[١٠ - منزلته في الحديث]

طعن في الإمام محمد بعض المحدثين كما طعنوا في أستاذه أبي حنيفة وأصحابه، ووثقه بعضهم مثل علي بن المديني الذي يلقب بأمير المؤمنين في الحديث، وقال الدارقطني: "هو لا يستحق الترك" (١). وروى عنه الإمام الشافعي في كتاب الأم (٢). وتقدم ثناء الشافعي وغيره من العلماء عليه قريباً.

على أنه من الواضح أن سبب الطعن هو التعصب على أهل الرأي، فإنك ترى بين كلام بعض المحدثين في تضعيفه أنه من أهل الرأي وأنه جهمي وأنه مرجئ وأنه ليس بأهل لأن يروى عنه بهذه الأسباب. وترى بعض المحدثين يذكرون أنه يخطئ كثيراً ويهم في الأحاديث التي يرويها. وهذا أمر مبالغ فيه. والذي دفع بعضهم إلى هذا هو أن الإمام محمد بن الحسن فقيه في الدرجة الأولى، وعنايته بالحديث والرواية منصبة على أحاديث الأحكام، فاهتمامه متوجه إلى الاحتجاج بالحديث وفهم معناه والفقه الذي يستنبط منه أكثر من رواية الحديث والاهتمام بألفاظه وتعداد أسانيده وما إلى ذلك. فلم يكن الإمام ممن يجلس للتحديث ويصرف جل سعيه في رواية الحديث، وإنما هو فقيه ثم محدث. ولكن ذلك لا يمنع من صحة حديثه وكونه ثقة حافظاً للحديث أيضاً. فالأمر يرجع إلى الاختصاص بعلم وتكثيف جهده فيه أكثر من علم آخر.

حتى إنك لترى الأمر الذي ينبغي أن يحمد عليه يتحول إلى أمر يذم عليه. قال عبد الرحمن بن مهدي: "دخلت على محمد بن الحسن صاحب الرأي، فرأيت عنده كتاباً موضوعاً فأخذته ونظرت فيه، فإذا هو قد أخطأ وقاس على الخطأ. قال: قلت: ما هذا؟ قال: هذا حديث أبي خَلْدَة عن أبي العالية في الدود يخرج من الدبر. وقد تأوله على غير تأويله وقاس عليه.


(١) انظر لأقوال أهل الحديث فيه: الجرح والتعديل، ٧/ ٢٢٧؛ والضعفاء للعقيلي، ٤/ ٥٢ - ٥٤؛ والمجروحين لابن حبان، ٢/ ٢٧٦؛ والكامل لابن عدي، ٦/ ١٧٤ - ١٧٥؛ وتاريخ بغداد، ٢/ ١٨٠ - ١٨١؛ وميزان الاعتدال، ٦/ ١٠٧، وتعجيل المنفعة، ٣٦١.
(٢) الأم، ٣/ ٢٢٠، ٦/ ١٨٥.

<<  <  ج: ص:  >  >>