النصوص تحتاج إلى التفكير الدقيق عن طريق دلالة الإشارة، وعدم العمل بمفهوم المخالفة، وحمل المطلق على المقيد، ودلالة الاقتران. وقد جمع الشيباني بين الآثار المتعارضة في بعض الأحيان، لكن صار إلى الترجيح في الغالب، ووضع كثيراً من المقاييس في هذا الشأن وأهمها "السنَّة المشهورة". ومما يجلب الانتباه أنه استعمل خلال تحدثه عن اجتهاداته المختلفة كلمات كثيرة مشتقة من جذري "الحسن والقبح" اللذان أصبحا من أهم مباحث الحكم عند الأصوليين. ونظن أن هذه الاستعمالات قد مهدت الطريق أمام الآراء المختلفة في هذا المبحث الأصولي فيما بعد. ويمكن القول بأن مقاربة الحنفية للموضوع تقع في الوسط بين الآراء التي ستتكون فيما بعد عند المعتزلة والأشاعرة، وأن الأصل يحكمه طراز من التفكير يولي العقل أهمية كبيرة مع إعطاء الأولوية للنصوص. ونرى أن الشيباني قد فرق بين حق الله وحق العبد في بعض المسائل، وتحدث عن حلول مفصلة جداً لحالات الإكراه الذي هو من "عوارض الأهلية" عند الأصوليين، وخطا خطوات نحو تكوين نظرية للإكراه. وإذا نظرنا إلى المصطلحات المستعملة للتعبير عن الأحكام الشرعية فإننا نرى أنها ليسست واضحة المعنى تماماً على ما يعرف في اصطلاح المتأخرين. فمثلاً ليس هناك تفريق واضح بين الفرض والواجب، وبين الحرام والمكروه، وبين المكروه تحريماً والمكروه تنزيهاً، لكن هناك بعض الأمور التي تشير إلى ما يبتني عليه ذلك التفريق.
إن دراسة منهج الشيباني وأسلوبه في الأصل وفي غيره من مؤلفاته تدل على أنه مجتهد مستقل بحيث يخالف أستاذيه أبا حنيفة وأبا يوسف في مواضع كثيرة من كتبه. نرى أن الشيباني قد أشار إلى شروط الاجتهاد مثل المعرفة بالكتاب والسنَّة والإجماع والملكة الفقهية والتقوى واستشارة الفقهاء الآخرين، وأنه يرى أن الخطأ معفو عنه في المسائل الاجتهادية، ويفسح المجال في اجتهاداته لرفع الحرج والعمل بالمصلحة والاحتياط كمبادئ يلتزم بها. وختاماً فإن الأصل للإمام محمد بن الحسن الشيباني يشتمل على محتوى غني جداً ومفتوح أمام من يريد البحث فيه من مختلف الجهات. ومن الواضح أنه لا يمكن لأي باحث أن يستوفي البحث في كتاب كبير مثل