للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

دخل الماء فغرق: لولا أن تكون سنة من بعدي لأَقَدْتُه (١) منك، وضمنه ديته. قال محمد: ذكر ذلك أبو معاوية المكفوف عن الأعمش عن زيد بن وهب قال: استعمل عمر بن الخطاب - رضي الله عنه - رجلاً على جيش، قال: فخرج نحو الجبل فانتهى إلى نهر ليس عليه جسر في يوم بارد. فقال أمير ذلك الجيش (٢) لرجل: انزل فابْغِ لنا مَخَاضَة (٣) نَجُوز فيها. فقال الرجل: إني أخاف إن دخلت الماء أن أموت. قال: فأكرهه فدخل الماء. فقال: يا عمراه يا عمراه! ثم لم يلبث أن هلك. فبلغ ذلك عمر وهو في سوق المدينة، فقال: يا لبيكاه يا لبيكاه! (٤) فبعث إلى أمير ذلك الجيش فنزعه، وقال: لولا أن تكون سنة لأَقَدْتُه (٥) منك، فغرمه الدية، وقال: لا تعمل لي عملاً أبداً (٦).

وإنما أمره الأمير بهذا (٧) على غير إرادة قتله، إنما أمره (٨) أن يدخل الماء لينظر لهم مخاضة الماء فيُخاض أو غير ذلك، فضمنه عمر ديته؛ فكيف بمن أمره وهو يريد قتله بذلك.

ولو أن رجلاً أكره فقيل له لتقطعن يد نفسك أو لأقطعنها أنا، فقطعها (٩)، لم يسعه قطعها ولم يكن له على الذي أكرهه شيء؛ لأن هذا ليس بإكراه، إنما الإكراه أن يقال: لتفعلن كذا وكذا أو لنفعلن بك ما هو أعظم منه، فإذا أكره على هذا كان إكراهاً، فأما إذا قيل: لتفعلن كذا وكذا أو لنفعلنه بعينه نحن بك، فلهذا ليس بإكراه ولا يسعه أن يفعل ذلك. وكذلك لو قيل له: لتقتلن نفسك (١٠) بهذا السيف أو لنقتلنك به، لم يكن هذا إكراهاً، ولم يسعه أن يصنع هذا بنفسه، فإن صنعه بنفسه لم يكن على


(١) م: لأقيدنه.
(٢) ز - الجيش.
(٣) الموضع من الماء الذي يجتاز الناس منه مشاة وركباناً. انظر: مختار الصحاح، "خوض".
(٤) ف: لبيكاه لبيكاه.
(٥) م ف: لأقيدنه.
(٦) أخرجه البيهقي نحوه في السنن الكبرى، ٨/ ٣٢٢.
(٧) م: هذا.
(٨) ز - أمره.
(٩) م ز: قطعها.
(١٠) م: لتفعلن بنفسك.

<<  <  ج: ص:  >  >>